إنسان عادي
إنسان عادي
يقول الدكتور حمزة الشربجي: “لا تعود الحياة إلى ما كانت عليه بعدما يطلق عليك الرصاص، ولا بعد مشاهدتك جرائم ضد الإنسانية أو تتعرض للتعذيب، كما أن التعرض لهذه الأخبار والعمل عليها بشكل مطول يؤدي أيضًا إلى نتيجة مشابهة” وربما في هذا إجابة عن السؤال المتكرر على صاحبنا عن أصعب المواقف التي واجهته في أثناء تغطية الحروب أو الأزمات.
في القِرم، يتحدث المهجرون عن يوم طرقت عليهم الأبواب واتهموا بالخيانة وأصبحوا من المبعدين، ثم يتحدثون عن عودتهم ليجدوا بيوتهم وقد سكنها آخرون. يتحدث القوم عن رحلة القطار إلى سيبيريا، وتكدسهم داخل عرباته الصدئة،والجثث التي تم التخلص منها على الطريق وعن ستالين الذي شردهم في الحياة والممات.
أما في رواندا أيام الحرب الأهلية، فجثث الرضع على جانبي الطريق نتيجة لسوء التغذية مؤلمة، والأكثر إيلامًا منها أن منحهم كسرة خبز قد يعني القتل، أما أكثر ما في الأمر سوءًا، أن هؤلاء الصغار كانوا في الحقيقة يدفعون ثمن توحش الكبار وجشعهم.
كم من مرة يأتي الموت كطائر محلق فوق التعساء من العاملين بالتغطية الإعلامية، وكم من مرة يقررون ألا يعودوا إلى الحرب مرة أخرى، ولكنهم في كل مرة يعودون من جديد رغم الشعور بالعجز والاكتئاب والتشكك في جدوى ما يفعلون، ولماذا إذًا يعودون؟ الإجابة إنه الجنون، ففي البداية تظن أن الألم سينتهي بنهاية المشهد، ولكنك في الحقيقة ستحمل هذه اللحظة بكل المشاعر المصاحبة لها في داخلك ما بقي من حياتك، تسأل نفسك كم تحتاج الأوطان من دم أبنائها النازف حتى يدرك الجميع أنه لا حل إلا المصالحة بلا إقصاء، وأن القصاص والمصالحة خطان متوازيان لا يكون أحدهما دون الآخر؟
في فلورا قال أحد الشباب: “إن طموحي الوحيد هو أن تقودني حياتي لأن أصبح إنسانًا عاديًّا”، فهل ما زلت تتساءل إن كان الرصاص أصعب ما يواجهه الصحفي؟
الفكرة من كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
تبدأ الحكاية من هنا، في محافظة السويس المصرية، وبالتحديد في بناية صغيرة في شارع إيواز بك، كان يعيش أب مصري ككل الآباء الذين لا تبدو عليهم أمارات الحكايات المبهرة التي يروونها، ولا النكات الوقورة التي يدخلون بها الآخرين في نوبات ضحك صاخبة، هناك جلس الأب وابنته زينات في انتظار ميلاد فرد جديد للعائلة، ولما ولد الرضيع وضعته أمه في حجر أخته وأوصتها به، فقالت: “من اليوم أنتِ أمه الصغرى”.
كان الطفل مريضًا، ولما اشتد عليه المرض يومًا وظن الجميع بما فيهم الصغير أن هذه المرة ليست كسابقاتها، كتب الولد رسالة الوداع على يد والده ظنًّا منه أنها النهاية. المفارقة أن الطفل قد عاش رغم يأس الأطباء وعجز الأم والأب، وقد تعلم من تجربته أن يعيش حياة لا يهاب فيها الموت، ففي النهاية، يعرف الموت مكانه جيدًا ويعرف أين يجده عندما يحين موعده، ولكنه يريد أن يكون مستعدًّا عندما يأتي هذا اليوم.
كبر الصغير، وعوده والده أن يصطحبه إلى المكتبة في رحلة يترقبها بكل الشغف والحماس، وهناك تعلم أن الحكاية سحر؛ كلما أتقنها الراوي سحرت القارئ أو المستمع، وهي كذلك بندقية وفي توثيقها فريضة، لأن النسيان دعوة لكل الظالمين للنجاة بفعلتهم.
أما الصبي فهو أسعد طه وأما الحكاية ففي السطور التالية.
مؤلف كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
أسعد طه: كاتب وصحفي وصانع ومنتج أفلام وثائقية، من مواليد محافظة السويس المصرية عام 1952م. عمل بالصحافة المكتوبة في صحف مثل الحياة والشرق الأوسط والأهرام، بالإضافة إلى بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، ثم عمل بالإذاعة في الشرق العربية من باريس.
لاحقًا عمل طه مراسلًا بالتلفزيون لمناطق الأزمات في قنوات إم بي سي، والجزيرة وشبكة التلفزيون العربي، تركز اختصاصه في مناطق البلقان وآسيا الوسطى، كما قدّم عددًا من البرامج التلفزيونية مثل: نقطة ساخنة، ويحكى أن (على قناة الجزيرة)، وبرنامج الرحلة لشبكة التلفزيون العربي.
كذلك أسس أسعد طه شركة لإنتاج البرامج الوثائقية باسم hot spot films، فأنتج من خلالها اثنتين وعشرين سلسلة من الأفلام والبرامج الوثائقية، غطى فيها نحو ثمانين دولة حول العالم وتناول قضايا إنسانية واجتماعية عديدة.
أخيرًا حصل على عدد من الجوائز مثل:
جائزة أفضل برنامج وثائقي من مهرجان القاهرة والتلفزيون عام 1997م.
جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان قازان الدولي لسينما الشعوب المسلمة بروسيا الاتحادية عام 2006م و2007م.
تم تكريمه في مهرجانات مثل MIP Cannes في عام 2010م ، ومهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بالمغرب في 2014م.