إلى الشرق
نُقل التراث اليوناني والروماني إلى الشرق من خلال الإسكندرية بجامعتها الشهيرة آنذاك وفارس والعراق أيضًا، وكانت مدينة الرها مركزًا ثقافيًّا مميزًا ترجم فيها المسيحيون النساطرة كثيرًا من الكتب الفلسفية والطبية إلى السريانية، وبعدما قرر إمبراطور بيزنطة إغلاق مدرسة الرها عام 489م، انتقلوا إلى جنديسابور التي خصصها لهم ملك فارس. وانتقل إليها أيضًا فلاسفة اليونان بعدما أغلق جوستنيان أثينا عام 528م، وكانت جنديسابور مركزًا ثقافيًّا متنوعًا جمع اليونانيين والمسيحيين واليهود والفرس والهنود، وازدهرت فيها حركات الترجمة، ومرجح أن العربية كانت معروفة فيها قبل دخول العرب إليها لقربها من الحيرة، وازدهر فيها الطب وتعليمه في البيمارستانات (المستشفيات).
ومن الأعلام الذين كانت لهم مساهمة كبيرة ومؤثرة في نقل التراث اليوناني أبو زيد حُنين بن إسحاق الذي ولد عام 194 هـ في الحيرة، وكان أبوه مسيحيًّا نسطوريًّا يعمل بالصيدلة، وقد درس في مدرسة جنديسابور ثم تعلم اليونانية حتى أتقنها، ثم ذهب إلى البصرة حيث أتقن العربية، وكان يجيد السريانية واليونانية أيضًا، ثم ذهب إلى بغداد حيث خدم جبرائيل بن ختشوع طبيب المأمون فتقرب من الخليفة والأوساط العلمية وعثر على مخطوطات يونانية عديدة في مجالات مختلفة، وسافر إلى بلدان أخرى بحثًا عن مخطوطات نادرة ليُحسن ترجماته. وقد ترجم كتب جالينوس، وبعضًا من كتب أبقراط، وكان ماهرًا دقيقًا في الترجمة، وكان أيضًا طبيبًا متميزًا في أمراض العيون، وألف نحو مئة كتاب طبي، منها كتاب المسائل في الطب، وكتاب المسائل في العين، وكتاب عشر مقالات في العين الذي تحدث فيه عن أقوى الأدوية المفردة، وعن أدوية العين من الأدوية المعدنية مثل الإثمد (الكحل) والرصاص، والأدوية النباتية مثل صمغ الكُثيراء وعصارة الصبر وخشب الدار الصيني، وذكر أيضًا طرقًا لتحضير أدوية مركبة للعين.
الفكرة من كتاب تاريخ الصيدلة والعقاقير.. في العهد القديم والعصر الوسيط
ما الصيدلة؟ وكيف بدأت حكاياتها؟ كيف كانت في الحضارات القديمة في مصر والعراق؟ وكيف كانت عند اليونان، وعند العرب والمسلمين؟
يأخذنا الكتاب في جولةٍ تاريخيةٍ نجيب فيها عن هذه الأسئلة ونتعرف بعضًا من أعلام الصيدلة والطب في عصور وأزمنة مختلفة، وعددًا من الأدوية والعقاقير التي جرى استعمالها منذ زمن بعيد، والتي يستعمل بعضها إلى يومنا هذا.
مؤلف كتاب تاريخ الصيدلة والعقاقير.. في العهد القديم والعصر الوسيط
جورج شحاته قنواتي، مفكر وراهب مصري، ولد بالإسكندرية عام 1905م، ودرس الصيدلة بجامعة اليسوعيين في بيروت والكيمياء في جامعة ليون بفرنسا، ومارس الطب والكيمياء لسنوات في مصر. ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة واللاهوت من جامعة الدومنيكان بفرنسا وبلجيكا، وعاد إلى مصر ليعمل بدير الآباء الدومنيكان. كان عضوًا في كثيرٍ من اللجان العلمية ومحاضِرًا في جامعات عربية وأوروبية، وكان مهتمًّا بالسلام وحوار الأديان. وتوفي عام 1994م.
من كتاباته: «مُؤلَّفات ابنِ سينا»، و«مُؤلَّفات ابنِ رُشْد»، و«المسيحيون في مِصر»، و«المَسيحيَّة والحضارة العربيَّة»، و«تاريخ الصيدلةِ والعقاقيرِ عندَ العرب».