إكرام النفوس
إكرام النفوس
يقول ابن عبَّاس (رضي الله عنه): أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، وهو يصلِّي من آخر الليل فقمت وراءه فأخذني فأقامني حذاءه، فلما أقبل رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) على صلاته انخنست (رجع إلى الخلف)، فصلى رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، فلما انصرف قال لي: “ما لك؟ أجعلك حذائي فتخنس”، فقلت: ما ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله، فأعجبه.. فدعا الله أن يزيدني فهمًا وعلمًا.
في الموقف عدد من الدروس التربويَّة الجليلة، ففي أوَّل الأمر اكتفى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) بتعديل السلوك الخاطئ في الصلاة بمجرد أخذه لابن عبَّاس، وحينما رجع ابن عبَّاس (رضي الله عنه) سأله عن سبب فعله، وحينما تبيَّن أن فعله يقوم على مُقدِّمة صحيحة وهي تعظيم رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، فلم يتكلَّم رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) عن النتيجة الخطأ حينما كانت المُقدِّمة صحيحة، بل دعا له بزيادة الفهم والعلم، واكتفى بإقامته بجانبه في الصلاة.
ويتبيَّن من هذا الموقف، والموقف الذي ذُكر حينما دعا له النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): “اللهم فقِّهه في الدين” كيف يستطيع المُربي أن يُساعد أتباعه على تحديد أهدافهم التي تُناسب قدراتهم ومهاراتهم، فكان دعاء النبي (صلى الله عليه وسلَّم) كله حول القُرآن وتفسيره، والفقه والعلم، وهذا بالفعل هو المجال الذي برز فيه ابن عبَّاس (رضي الله عنه)، وقد شهد له الصحابة (رضوان الله عليهم) له بذلك، فقد رُوي عن عمر بن الخطَّاب (رضي الله عنه) أنه قال: “من كان سائلًا عن شيء من القرآن، فليسأل عبدالله بن عبَّاس” وقد كان عُمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يُدخله مع أشياخ بدر في تدارسهم للقرآن.
الفكرة من كتاب هكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ابن عبَّاس (رضي الله عنهما)
من منا لا يعلم كُنية الصحابي الجليل عبدالله بن عبَّاس (رضي الله عنه)؟ فهو حَبر هذه الأمَّة وترجمان القُرآن، وكان (رضي الله عنه) مُكثرًا من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، فكان له شأن كبير في العِلم والفقه والتفسير، إلا أن القليل منَّا يعلم أن عبدالله بن عبَّاس (رضي الله عنه) خالط النبي (صلى الله عليه وسلَّم) عامين فقط! فقد توفِّي النبي (صلى الله عليه وسلَّم)، وكان ابن عباس عمره ثلاثة أو أربعة عشر عامًا، فما السر في هذا الفضل العظيم والعلم الغزير مع قصر مُدَّة المخالطة؟
إنها تربية النبي (صلى الله عليه وسلَّم) تربية جامعة، تُقيم الرجال وتؤسِّسهم، ويظل غراسها في القلوب إلى يوم الدين.
في هذا الكتاب جمع لنا الكاتب المواقف الجامعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) وابن عبَّاس (رضي الله عنه) مُحللًا أثرها التربوي ودورها في تكوين النفس السويَّة العزيزة.
مؤلف كتاب هكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ابن عبَّاس (رضي الله عنهما)
سليمان بن أحمد السويد: تربوي سعودي الجنسية، عمل معلمًا ثم مُشرفًا تربويًّا للصفوف الأولية بأحد قطاعات المملكة.
من مؤلفاته:
الأربعون التعليمية من حديث معلِّم البشريَّة (صلى الله عليه وسلَّم).