إفقار الفلاحين ونظام العهد
إفقار الفلاحين ونظام العهد
مع بداية العشرينيات من القرن التاسع عشر ظهرت بوادر العُسر على الفلاحين، وأصبحت تتراكم عليهم المتأخرات الضريبية ما زاد من ديون الفلاحين، فعانوا ضائقة شديدة دفعت بهم إلى رهن أراضيهم، بل ووصل الأمر إلى قيام الفلاحين بالتنازل عن أراضيهم مقابل أن يدفع “المتنازل له” المتأخرات الضريبية، وأول تنازل عُثر عليه في السجلات كان في بداية السنة الزراعية المالية في شهر سبتمبر عام 1822، عندما تنازل شخص يدعى “محمد الوجيه” من قرية “ميت الصارم” عن 16 فدانًا من أرضه لشخص يدعى “علي أبو عيسى” من نفس القرية، وكان ذلك مقابل أن يدفع “علي أبو عيسى” المتأخرات الضريبية المتراكمة عن تلك الأفدنة، وهكذا تنازل “محمد الوجيه” وغيره من الفلاحين عن أرضهم ليخلِّصوا أنفسهم من المتأخرات الضريبية
كان “نظام العهد” يشير إلى المسؤولية عن الأرض الزراعية التي يتولاها أحد الأشخاص عندما يحصل على حيازة الأرض عن طريق دفع متأخراتها من الضرائب، وبالتالي يكون “صاحب العُهدة” له حق الانتفاع بالأرض ومسؤولًا عن زراعتها ودفع الضرائب المتعلقة بها، ومنذ بداية الثلاثينيات من نفس القرن، أصبح مصطلح “العهدة” يستخدم أيضًا في تولي مسؤولية جمع الضرائب عن القرية كلها، وكان المتعهِّدون من موظفي الدولة وأعيان الريف وكذلك الأوروبيين، وبالتالي أصبح المتعهِّدون من ملتزمي جمع الضرائب، وكان الفلاحون يستمرون في زراعة الأرض لمتعهِّدها، هذا المتعهِّد الذي كان دافعه الربح والفوائد كنوع من الرأسمالية.
الفكرة من كتاب فلاحو الباشا.. الأرض والمجتمع والاقتصاد في الوجه البحري (1740 – 1858)
يعدُّ هذا الكتاب محاولة لقراءة الريف المصري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال الحياة الاجتماعية والاقتصادية مستبعدًا النظرة التقليدية التي تجعل تاريخ مصر الحديث يبدأ من أحداث الحملة الفرنسية وتولي محمد علي الحكم، تلك النظرة التي تضع حدًّا فاصلًا بين العصرين العثماني والحديث لمصر، فقد اعتاد الباحثون تقسيم نشأة الريف المصري إلى ما قبل الحملة الفرنسية وتولي محمد علي الحكم وما بعدهما، حيث يرون أن مصر كانت في نوم عميق وقامت صحوتها على يد محمد علي باشا، وبالتالي فإن نظرة الكتاب لا تفصل بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بل تقرأ تلك المرحلة في سياق زمني متصل بالماضي، وذلك من أجل الوصول إلى إجابة سؤال: هل كانت النهضة والصحوة المصرية لها إرهاصات سابقة على محمد علي أم لا؟ كما يذهب إلى إمكانية فهم التطورات التي حدثت في القرن التاسع عشر من خلال ماضي مصر نفسها.
مؤلف كتاب فلاحو الباشا.. الأرض والمجتمع والاقتصاد في الوجه البحري (1740 – 1858)
كينيث م. كونو Kenneth M. Cuno، هو مؤرخ أمريكي، يعمل أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة إلينوي الأمريكية، له العديد من الكتب التي تسلِّط الضوء على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للشرق الأوسط.
معلومات عن المترجمة:
سحر توفيق هي مترجمة ومؤلفة وروائية وكاتبة قصة قصيرة، درست اللغة والأدب العربيين، وعملت في تدريس اللغة العربية بمصر والمملكة العربية السعودية.