إعداد الرجال
إعداد الرجال
من أهم الأمور التي يجب على المُربي غرسها في نفس الصبي منذ صغره؛ تحمُّله للمسؤوليات وإعداده لمصاعب الحياة، والأهم أن تكون هذه المسؤوليات مناسبة لعُمره وإمكانياته، لأنه إن حمَّله فوق طاقته فقد يفقد الثقة في نفسه.
وهذا ما كان يفعله النبي (صلى الله عليه وسلَّم) مع ابن عباس (رضي الله عنه)، فقد كان يُرسله في حاجاته وأعماله، فيقول ابن عبَّاس (رضي الله عنه): قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) غُداة جمع: هلُمَّ الْقُطْ لي، فلقطتُ لهُ حصياتٍ من حصى الخذفِ، فلمَّا وضعهُنَّ في يدِهِ، قال: “نعم بأمثالِ هؤلاءِ، وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ، فإنَّما هلك من كان قبلكم بالغُلُوِّ في الدِّينِ” فقد طلب رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) من ابن عباس (رضي الله عنه) لقط الحصى ليلة المزدلفة، ففي تحمَّل المسؤوليات الموافقة للقدرات يزداد المرء ثقة في نفسه وفي قدراته، ويشعر بأهمية دوره ووجوده.
كذلك من الأمور التي تزيد الإنسان عزًّا أن يُقدَّر، وألا يُحتقر، وذلك ليكون طالبًا لمعالي الأمور لا يقبل بالدون والهوان، وتحقق تلك الخصلة حينما يجد المُتعلِّم أن حقه محفوظ ولا يُسلب، وفي هذه الخصلة التربوية يذكر عبدالله بن عباس (رضي الله عنه): دخلتُ مَعَ رسولِ اللَّهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) أنا وخالدُ بنُ الوليدِ على مَيْمونةَ، فجاءَتْنا بإناءٍ مِن لبنٍ، فشرِبَ رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) وأنا على يَمينِهِ، وخالدٌ على شِمالِهِ، فقالَ لي: الشَّرْبةُ لكَ، فإنْ شِئتَ آثَرْتَ بها خالدًا، فقُلتُ: ما كُنتُ لِأُوثِرَ على سُؤْرِكَ أحدًا”، فلما رفض ابن عباس (رضي الله عنه) التنازل عن حقِّه بذله له النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ولم يُعنِّفه.
الفكرة من كتاب هكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ابن عبَّاس (رضي الله عنهما)
من منا لا يعلم كُنية الصحابي الجليل عبدالله بن عبَّاس (رضي الله عنه)؟ فهو حَبر هذه الأمَّة وترجمان القُرآن، وكان (رضي الله عنه) مُكثرًا من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، فكان له شأن كبير في العِلم والفقه والتفسير، إلا أن القليل منَّا يعلم أن عبدالله بن عبَّاس (رضي الله عنه) خالط النبي (صلى الله عليه وسلَّم) عامين فقط! فقد توفِّي النبي (صلى الله عليه وسلَّم)، وكان ابن عباس عمره ثلاثة أو أربعة عشر عامًا، فما السر في هذا الفضل العظيم والعلم الغزير مع قصر مُدَّة المخالطة؟
إنها تربية النبي (صلى الله عليه وسلَّم) تربية جامعة، تُقيم الرجال وتؤسِّسهم، ويظل غراسها في القلوب إلى يوم الدين.
في هذا الكتاب جمع لنا الكاتب المواقف الجامعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) وابن عبَّاس (رضي الله عنه) مُحللًا أثرها التربوي ودورها في تكوين النفس السويَّة العزيزة.
مؤلف كتاب هكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ابن عبَّاس (رضي الله عنهما)
سليمان بن أحمد السويد: تربوي سعودي الجنسية، عمل معلمًا ثم مُشرفًا تربويًّا للصفوف الأولية بأحد قطاعات المملكة.
من مؤلفاته:
الأربعون التعليمية من حديث معلِّم البشريَّة (صلى الله عليه وسلَّم).