إشكاليات العلوم الإنسانية
إشكاليات العلوم الإنسانية
تهتم العلوم الإنسانية بدراسة الإنسان والمجتمع، وتكمن الإشكالية في العلوم الإنسانية التي كُتِبت بمناهج وأدوات الاستشراق في مدى صدقها وموضوعيتها، ويتمثَّل ذلك في بيان تأثير قوى الاحتلال في صياغة نظريات تلك العلوم وموقفها من الدين والتديُّن، ويؤكد ذلك الدكتور سيف دعنا- أستاذ علم الاجتماع والدراسات الدولية بجامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة الأمريكية- فشل أبحاث المستشرقين في فهم الإسلام وواقع المسلمين.
وأحد جذور الموقف العدائي الغربي للدين هو الصراع مع الكنيسة والحكم المطلق باسم الرب وتراجع الدين في الفضاء العام، مما آل إلى انتشار العلمنة والإلحاد وانفلات الحريات وانتشار الفردانية والآراء الليبرالية، فيقول الفيلسوف هنري أيكن إنه: “كفيلسوف يهدف إلى غرس عقلية لا تفكر باصطلاحات غير علمية وترفض قضايا اللاهوت التقليدي والميتافيزيقي بكل بساطة على أساس أنها غير علمية”، وأحد تبريرات النزعة الإلحادية هو الوصول بطريقة علمية إلى مشروعية التصورات المادية للعالم والإنسان والقيم وصياغة ذلك في قوالب اجتماعية، مما أدى إلى تعميق نزعة الشك وهدم البنية الفكرية.
وتؤدي تحيزات المستشرقين إلى مفاهيم ومرجعية الفكر الغربي إلى فشلهم في تفسير ديناميكيات الحركة الإسلامية، فتبين الآراء التي طرحها ثلاثة من كبار المؤسسين لعلوم الاجتماع، وهم: ماركس ودوركهايم وماكس فايبر، أن الدين يقدم واقعًا موهومًا ومضللًا، لذلك ينبغي على الناس أن يعتمدوا على العلم والتقنية في تفسير العالم الاجتماعي، وأدى رواج مثل تلك الأفكار إلى انحسار الممارسات العقائدية والنظر إلى الدين بمنظور مناقض للحداثة، وإحدى النظريات التي تعكس الموقف السلبي من الدين عمومًا هي نظرية فريزر الذي يُرِجع أصل نشأة الدين إلى السحر، ونظرية هيبر الذي يرجع فيها أصل نشأة الدين إلى الأسطورة!
وأحد المآزق التي يقع فيها المختصون هو تطبيق مناهج العلوم الإنسانية لفهم النص الشرعي أو التاريخ الإسلامي، فلا يعترفون بإمكانية اعتبار أن الدين والأخلاق والإيمان تمثل محركًا للأشخاص ولحركة التاريخ بوجه عام، بل لا بدَّ من وجود دوافع غريزية أو مادية أو سيادية وغيرها؛ ويزعمون أن الخطاب الديني والأخلاقي مجرد بنية فوقية تستتر بها الدوافع الحقيقية للغريزة والمادة؛ فحرب أبو بكر للمرتدين محاولة لتمويل الدولة، وعثمان وعلي مجرد طامحين إلى السلطة، والفتوحات الإسلامية ما هي إلا حركات إمبراطورية توسعية، وغيرها من التفسيرات البائسة بعد أن عجزت نفوسهم عن استيعاب أثر الإيمان في النفوس بما يجعل الدين محركًا للتاريخ، فلم يصلوا إلى ما وصل إليه هرقل حينما أدرك ما تصنعه بشاشة الإيمان حين تتشرَّبها القلوب.
الفكرة من كتاب حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية
ما المقصود بالاستشراق؟ وما البنية الفكرية لتلك الأبحاث؟ وما أبرز المحطات الفكرية والتاريخية التي مر بها منذ نشأته؟ وما أبرز الانتقادات الموجهة إلى الدراسات الاستشراقية سواء على المنهج الأنثربولوجي والمنهج اللغوي؟
يتناول هذا الكتاب قضية الاستشراق وموقف المجتمع الغربي من واقع المجتمعات الإسلامية بغرض تعميق الوعي بالسياسات الغربية، وبخاصةٍ بعد تغلغل تلك المفاهيم في المجتمعات الإسلامية وسيطرتها على منافذ التأثير بسبب شبكات الاتصال العالمي، التي أصبحت بمنزلة شكل جديد للاحتلال.
مؤلف كتاب حول الاستشراق الجديد: مقدمات أولية
عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي: كاتب سعودي، له العديد من المقالات منها: معنى الحياة في العالم الحديث، الاستقبال العربي لعلم اللغة، الإبادة الثقافية، وله كتاب بعنوان “التبرج المسيَّس”.