إذلال الآخر عن طريق النيل من مكانته وتضخيم مكانة البعض
إذلال الآخر عن طريق النيل من مكانته وتضخيم مكانة البعض
إن الاختلال في المعايير الدولية يدفع الآخر إلى رفض كل ما ينتج عنها من أجل الدفاع عن نفسه ضد الانحدار إلى مرتبة أدنى أو الشعور بالإذلال، فمظاهر الهيبة، و”الأبهة الدبلوماسية”، واستعراض القوة العسكرية، والنيل من الاعتبار تعد من أفضل الوسائل في الحط من الآخر وإذلاله، كالتصرف الذي حدث للسفير السوفييتي في احتفالات عام 1946 في ذكرى الانتصار على النازية، عندما أُجلس في الصف الثاني، بينما باقي ممثلي الدول العظمى جلسوا في الصف الأول، ما أدى إلى انسحاب السفير السوفييتي من الاحتفالات، فمثل تلك المشاهد من الإذلال، والنيل من الاعتبار نجدها باستمرار هنا أو هناك، وبالتالي فإن تلك السياسة التي تقوم على استعراض المكانة، والإفراط في المباهاة بها أو التقليل منها تؤدي إلى الانزلاق نحو الفساد، فبالنسبة للسفير السوفييتي يعد الاعتبار تنافسًا على القوة، في الوقت الذي يتجاهل فيه هذا السفير إذلال الضعفاء.
ووفق روسو، فإن أي لعبة غير منضبطة سوف تؤدي إلى نشوء اللامساواة الاجتماعية، وهذا بالضبط ما يمكن إسقاطه على الحياة الدولية، فالغيرية عندما لا تكون خاضعة لضوابط وقواعد مقبولة من الجميع، فإنها تؤدي إلى المزايدة في تقدير الذات، ومن ثم إلى الغطرسة، وتلك الغطرسة تعدُّ عنفًا يأخذ شكل الإذلال.
كما أن الوجاهة تعد أحد محركات اللعبة الدولية، ونوعًا من القوانين الثابتة التي تجعل من إذلال الآخر استراتيجية سيطرة وبقاء، كأن تكون عضوًا في مجلس الأمن، أو في مجموعة الثمانية، أو أي مجموعة أصدقاء تنتجها اللعبة الدولية، إذ تؤكِّد تلك المجموعات أن الآخرين الذين ليسوا ضمنها، لن يكونوا مقبولين فيها إلا برغبة أو عطف أو كرم الأعضاء، وبالتالي فإن الإرادة الشاملة للمجموعة الدولية وحدها هي التي تستطيع محو هذا الإذلال الذي يتولَّد من المكانة.
كما نجد أن النظام الدولي يتجنَّب إذلال الدول التي تقوم بتضخيم مكانتها بما لا يساوي أحجامها في الواقع الدولي، إذا كانوا قادرين على تقديم أية منافع، مثل “قطر” التي تشبه الضفدع الذي يتصوَّر أنه فيل، إذ يتم تشجيعها على جسارتها وتضخيم مكانتها، وكذلك المملكة العربية السعودية التي تكاد تخدش!
الفكرة من كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
يتكلم الكاتب عن باثولوجيا (أمراض) العلاقات الدولية التي تدفع نحو الإذلال؛ هذا الإذلال الذي يعرض المجتمعات إلى اضطرابات تؤدي إلى نزاعات اجتماعية شديدة في الحياة الدولية المعاصرة، فقد كان لتعدد الثقافات واختلافها ردة فعل طبيعية من جانب العولمة، فتم إقصاء ووصم جميع الثقافات المخالفة لها، ما خلق نوعًا من الإذلال الذي ضيَّق من إمكانية أن يحظى الآخر بموضع قدم في النظام العالمي، وظهرت مجموعة من النماذج في العلاقات الدولية هدفها الحط من مكانة الغير، وعدم الاعتراف بحقوقه، والتنكُّر لمبدأ المساواة، ما أدَّى إلى التنكُّر لاختلافه وتميزه، فباسم نظرية عالمية أصبحت الغيرية مرفوضة، ولا بد أن تخضع لمقاييس الأقوياء، ومن هنا يعد الإذلال عنصرًا أساسيًّا في بنية العلاقات الدولية، ما يعني أننا نعيش في زمن المذلولين.
مؤلف كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
برتران بديع : هو أستاذ العلاقات الدولية في “معهد العلوم السياسية” في باريس، شغل منصب رئيس المجلس العلمي للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى بين عامي (2004 – 2012)، له العديد من المؤلفات، تم ترجمة معظمها، منها:
سوسيولوجيا الدولة.
الدولتان: السلطة والمجتمع في الغرب وبلاد الإسلام.
دبلوماسية التواطؤ.
الدبلوماسي والدخيل.
عجز القوة.
معلومات عن المترجم:
جان ماجد جبور: هو باحث ومترجم، يشغل منصب أستاذ في الجامعة اللبنانية، وله كتب من تأليفه، ومن بينها:
المنجد الفرنسي – العربي الكبير.
كما أن له عددًا من الكتب المترجمة، من بينها:
القيم إلى أين؟
الخوف من البرابرة.
اللقاء المعقد بين الغرب المتعدد والإسلام المتنوع.
الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى.