إدارة أبي بكر وعمر بن الخطاب
إدارة أبي بكر وعمر بن الخطاب
سار أبو بكر على منهج رسول الله ﷺ في الإدارة، فاحتفظ بعماله الذين استعملهم، وأمراءه الذين أمَّرهم، وكان يشاور أهل الرأي والفقه، ودعا رجالًا من المهاجرين والأنصار ليصير إفتاء الناس إليهم، وكان ينفق جميع ما في بيت المال على المسلمين، وكان يعاونه أصحابه، فلما تولى رضي الله عنه الخلافة قال له أبو عبيدة: أنا أكفيك المال، وقال له عمر: أنا أكفيك القضاء، فمكث سنة لا يأتيه رجلان.
وكان يختار رضي الله عنه من العمال أكثرهم علمًا وعملًا، كما كان يكشف عن أحوالهم، وشُغِل بقتال أهل الردة فأرسى دعائم الدولة بإظهار قوة المسلمين لمن خالفهم، مخالفًا بهذا جميع أصحابه، فأعلن الحرب وأذعنت العرب له بالحق واختار ما رآه صوابًا فسدَّده الله فيه، ولم يقتصر على حروب الردة فقط، بل وجَّه الجيوش ناحية الشام، وكان آخر جيشٍ جهَّزه جيش اليرموك وبذل فيه أقصى الجهد.
أ
ما عمر (رضي الله عنه) فكان يرى أن الخلافة لا يصلح فيها إلا الليِّن في غير ضعف والقوي في غير عنف، فكان الضعيف عنده قويًّا حتى يأخذ له الحق والقوي عنده ضعيفًا حتى يأخذ منه الحق، وأحدث أوضاعًا جديدة فكان أول من دوَّن الدواوين على مثال الفرس والروم، واستخدم عقوبة السجن، وكان يأخذ الأمور على محمل الجد، فلا يجوز لأحدٍ الجلوس في المسجد في غير أوقات الصلاة، وجنَّد الأجناد.
وكان إذا أرسل العمال خرج معهم يشيِّعهم وينصحهم ويجمع بينهم وبين من يشتكيهم من الناس ليفصل بينهم، وكان يعسُّ بنفسه ويرتاد منازل المسلمين ويتفقَّد أحوالهم ويتعهَّد أهل البؤس والفاقة، وكان عماله يفقهون معنى الإدارة العادلة ويقومون بها، فهذا عمير بن سعيد يقول على منبر حمص إن شدَّة السلطان ليست بالقتل والسيف، بل القضاء بالحق والأخذ بالعدل.
ومن بدائع إدارته الحسنة (رضي الله عنه) أنه حبَّب إلى الناس أن يعتمدوا على أنفسهم ويصلحوا أمورهم فيما بينهم، ليصرف وقت الحكم بينهم في التفكير في أمورهم الخطيرة، فيعملوا ولا يسرفوا ويصلحوا أموالهم ويعطوا الحق من أنفسهم يصلحوا به أحوال غيرهم.
الفكرة من كتاب الإدارة الإسلامية في عز العرب
يذهب بعض الناس إلى أن معارف الحضارة الإسلامية مقلدة عن فارس والروم، ولو صح ما قالوا لكانت قوانين فارس والروم باقية ولما استطاع العرب نزع سلطانهم وتثبيت حكمهم مكانهما، ويثبت الكاتب في هذا الكتاب أن الإسلام ابتكر وأبدع في الحرب والإدارة السياسية، كما اخترع وأبدع في العلم والتشريع وأسباب المدنية بالتعرض لأحوال ثلاثة أزمنة وأحوال خلفائها فيها وكيف كانوا يديرون البلاد.
مؤلف كتاب الإدارة الإسلامية في عز العرب
محمد كرد علي: مفكر وأديب سوريٌ وُلِد بدمشق عامَ ١٨٧٦م لأبٍ كردي وأمٍّ شركسية، كان شديدَ الشغف بالقراءة والاطِّلاع؛ فكان والِدُه يمدُّه بكثير من الكتبِ المختلِفةِ الموضوعات، وقد دافَعَ طوالَ عمره عن اللغة العربية، وشدَّد على ضرورة الاعتناء بها في مراحل التعليم، وكان وزيرًا للمعارف والتربية في سوريا، وأيضًا تولَّى رئاسةَ مَجْمَع اللغة العربية بدمشق.
من مؤلفاته: “أقوالنا وأفعالنا”، و”الإسلام والحضارة العربية” و”غابر الأندلس وحاضرها”، وتُوفِّي عامَ ١٩٥٣م ودُفِن بدمشق بجوار قبر معاوية بن أبي سفيان.