إجماع واشنطن والنظام العالمي الجديد
إجماع واشنطن والنظام العالمي الجديد
بالرجوع قليلًا إلى الجذور التاريخية للنظام العالمي المعاصر نجد أن الاقتصاد الأمريكي قبيل الحرب العالمية الثانية كان الاقتصاد الرئيس في العالم، حيث امتلكت أمريكا نصف ثروات العالم تقريبًا وكانت هي الدائن الأول لمعظم اقتصادات دول العالم الأخرى، بالإضافة إلى استحواذها على ما يقرب من ثلثي الاحتياطي العالمي من الذهب، وفي أثناء الحرب نجد أن الاقتصاد الأمريكي لم يتراجع عن النمو والازدهار فبسبب سلامة هياكله الإنتاجية أصبحت أمريكا مصنع العالم ومورده الأول في تلك الفترة، وإذا أضفنا إلى ذلك قوة أمريكا العسكرية وإحرازها السبق في امتلاكها لتكنولوجيا السلاح النووي، نجد أن أمريكا في ذلك الوقت تمتَّعت بمكانة من القوة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وللمحافظة على كل تلك الإنجازات تولَّت الولايات المتحدة الأمريكية بدافع مصلحتها مهمة الدفاع عن النظام الرأسمالي المعاصر وازدهاره.
أما إجماع واشنطن فهو مسوَّدة طرحها الاقتصادي الشهير جون وليامسون عام 1989 لتكون علاجًا للدول التي تواجه صعوبات اقتصادية، وفي التسعينيات من القرن المنصرم أصبحت هذه الفكرة في مَيدان الملعب الدولي وأخذت منعطفًا سياسيًّا من قبل بعض المؤسسات الدولية لتطبيق أجندتها العالمية للسيطرة على اقتصادات الدول ومواردها الطبيعية من خلال الدعوة العلنية لذلك، وممارسة الضغوط الاقتصادية لتحرير العملة المحلية وتحرير التجارة وإلغاء القيود على الواردات وتبني الإصلاحات الاقتصادية، والتزاوج مع القادة الجدد للنظام الاقتصادي العالمي، فأضحى المديرون التنفيذيون للشركات العملاقة بمثابة المهندسين الأساسيين لسياسات الدول عبر تطويع نفوذهم السياسي لخدمة مصالحهم الخاصة بغض النظر عن فداحة الضرر الواقع على الآخرين.
من هنا أصبحت الديمقراطية وحقوق الإنسان ورفع مستويات المعيشة مجرد أهداف غامضة غير واقعية، فقادة العالم الجدد أصبحوا يتعاملون فقط بمفاهيم القوة المباشرة دون أن تعوقهم مثل تلك الشعارات المثالية، وعلى ذلك فمجرد التهديد للنظام الرأسمالي العالمي القائم هو بمثابة ضوء أخضر يبرر اللجوء إلى الإرهاب من أجل استعادة استقرار النظام مرة أخرى.
الفكرة من كتاب الربح فوق الشعب
يستعرض هذا الكتاب جذور الرأسمالية والنظام العالمي الجديد، ويتناول الوجه المتوحش الجديد للرأسمالية المعاصرة وقادتها الجدد من الشركات الكبرى، كما يتعرض لهذا الزواج الكاثوليكي بين السياسة ورأس المال والأساليب المستخدمة لترويض الشعوب والسيطرة على الدول وفق أجندتهم الخاصة.
مؤلف كتاب الربح فوق الشعب
أفرام نعوم تُشُومِسْكِي: فيلسوف أمريكي، ولد في 7 ديسمبر 1928 فيلادلفيا، بنسلفانيا، تخرج تشومسكي في جامعة بنسلفانيا وحصل على درجة البكالوريوس في عام 1949 والماجستير في عام 1951، ومُنح درجة الدكتوراه في اللغويات من جامعة بنسلفانيا في عام 1955، وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي عمل فيها لأكثر من 50 عامًا، بالإضافة إلى عضويته في كثير من الأكاديميات العلمية المرموقة كالأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، والأكاديمية الوطنية للعلوم والجمعية الأمريكية للفلسفة وغيرها، كما حصل على العديد من الجوائز، ففي فبراير 2008 حصل على الميدالية الرئاسية من جمعية الأدب والمناظرات في الجامعة الوطنية في أيرلندا في غالواي، وعلى جائزة إريك فروم عام 2010 في شتوتغارت في ألمانيا.
له مجموعة من المؤلفات أبرزها: “ماذا يريد العم سام” و”الدول الفاشلة – إساءة استخدام القوة والتعدي على الديمقراطية”، و”قراصنة وأباطرة – الإرهاب الدولي في العالم الحقيقي” و”النظام العالمي القديم والجديد”.