أُمُّ أبيها
أُمُّ أبيها
نشأت السيدة فاطمة (رضي الله عنها) والأحداث تتعاقب على الرسول (صلى الله عليه وسلَّم)، والمسلمين، من تعذيب وهجرة وإخراج، أثار هذا في نفسها بسالةً فريدة، وظهر هذا جليًّا حين رمى أحد المشركين بسلا جزور، وهي الجِلدة التي يكون فيها ولد البهائم على ظهر النبي الشريف وهو يصلي (صلى الله عليه وسلَّم)، فذهبت مسرعة وحملت عن ظهره (صلى الله عليه وسلَّم)، ورمت المشركين بلسانها، ومن أمامها أبو جهلٍ وأصحابه، ولم تُبالِ، فأحاطت والدها (صلى الله عليه وسلم) برعاية وحب، فلُقِّبت بأُمِّ أبيها كما كان يُناديها رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، على الرغم من أنها أصغر الأبناء، وأحاطته أيضًا بالرعاية حِين كُسِرَت رباعيته الشريفة (صلى الله عليه وسلَّم) فكانت تغسله، وتطبِّب جُرحه، في صبرٍ وحنانٍ واحتساب، وكانت سكينة لوالِدها (صلى الله عليه وسلَّم)، لا تُراجعه، أو تستزيدُ من الدُنيا ما لم يُؤتَ لها، حتى أنها استحَت من طلبِ خادمٍ لها حين شقَّت عليها أعباءُ المنزِل في بادِئ الأمر، وزادَ على رصيدها في الصبر زاد في زواجها من سيِّدنا عليِّ (رضي الله عنه) وهي أعلمُ الناسِ بضيق ذاتِ يده، وجُهِّزت لزواجها بمتاعٍ قليل، حابسةً عينيها عن المد في متاع الدُّنيا، زاهدةً فيها، لا تضجُر ولا تتذمَّر (رضي الله عنها)، وكانت رضي الله عنها مترفِّعةً عن النِّزاعات، مُقلَّة من الغضب، مقتصدةً في الكلام لِحاجة، حتى في حين خِلافها مع زوجها علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، حفِظت لهُ مكانه، ومكانته في قلبها (رضي الله عنهما)، ورأى الكاتب أن سبب رفض رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) لِخطبة سيدنا علي لابنة أبي جهل هو عِلمه (صلى الله عليه وسلَّم) بنفسِ ابنته، وأنها لا تقدِر على تحمُّل النزاع مما يحدُث بين الضرائر، وكانت (رضي الله عنها) أشبه النَّاس بالنبيِّ (صلى الله عليه وسلَّم) في حديثهِ، ومشيته، وأخلاقِهِ، وصفاته، وكانت لشدَّة حيائها تكره أن يراها الناس في الكفن بعد موتها، فأمرت بأن يُصنع لها نعشٌ، وكانت أوَّل امرأة يكون لها نعشٌ في الإسلام، وتوفِّيت (رضي الله عنها)، ولكن لم يذهب أثرها، ولا جمال سيرتها إلى يومنا هذا.
الفكرة من كتاب الصدِّيقتان: مُدارسات في تجلِّيات الاصطفاء للصدِّيقتين فاطمة وعائشة (رضي الله عنهما)
وجدان العلي: سيد بن علي عبد المعين، مصري، وُلِد في الحادي عشر من يونيو لعام 1979م، حصل على ليسانس اللغة العربية كُلية الآداب، جامعة القاهرة، شاعرٌ، وأديبٌ، ومُحقِّق في التراث الإسلامي، وعمل بمجال الدعوة، وامتدَّ نسبه إلى علَّامة اللغة العربية محمود محمَّد شاكر المُلقَّب بأبي فهر، والذي تأثَّر به ولازمه أكثر من خمس سنوات، له من المؤلَّفات “صادق بكَّة”، و”ظِلُّ النديم“، وزخرت الشبكة العنكبوتيَّة بالعديد من مقالاته المتنوِّعة.
مؤلف كتاب الصدِّيقتان: مُدارسات في تجلِّيات الاصطفاء للصدِّيقتين فاطمة وعائشة (رضي الله عنهما)
لقد منَّ الله على العالمين بالدين الحنيف، الذي عرَّج بالعباد من غياهِب وظُلمات الأرض، إلى رحابة ونور السماء، ومن دنس الشرك إلى طُهر الإيمان، وإن البيت النبوي مثال كامِلٌ أخَّاذ لِأثر الإيمان العميق في نفوس أهلِه، وكيف تشكَّلت شخوصهم في رحاب الطُّهر، وسويَّة الأنفس، وجمال إيمانها، وقد سطع نجمانِ في سماء بيت النبوَّة، كانتا تجسيدًا لِصدقِ المحبَّة، وصِدق الإيمان، وصِدق الاتِّباع، حتى أنَّهما لشدة صدقيهما استحقَّتا أن تُلقَّبا بالصدِّيقتين، وهذا الكِتاب إنما هو عرضٌ للجماليَّات، واستقراءٌ في أسابِ النوالِ، والرِّفعة، والشرف.