أُحْجِيَّتَان وحل واحد
أُحْجِيَّتَان وحل واحد
يتلبسنا الغموض عند محاولتنا لفهم الآخرين وبخاصة الغرباء الذين نراهم لأول مرة، فكيف ينجح الجواسيس والدبلوماسيون والقضاة إذًا في فهم نوايا الشخص القابع أمامهم وهو يعد غريبًا عنهم؟ لفهم ذلك سنبحر على متن قصص عدة، فلدينا مثلًا “فِيدِيلْ كَاسترُو”، الذي كان رئيسًا لدولة كوبا، إذ اختار عملاء مزدوجين للعمل في دائرة التجسس الكوبية، واختارهم بذكاء ودرَّب بعضهم على الخداع المسرحي، وكيف يكونون عملاء مزدوجين، ولكن رغم كل ذلك فإنه تعرض للخيانة على يد أحد أكثر القادة ثقة لديه، وهذا يدفعنا إلى التساؤل، أين الخطأ هنا؟ لماذا لم يتمكن “فِيدِيلْ كَاسترُو” من معرفة متى تم الكذب عليه منذ البداية؟
لم تجد إجابة واضحة، أليس كذلك؟ دعني أقص عليك قصة أخرى ربما تمكنك من إيجاد حل لتلك الأُحْجِيَّة، وقصتنا هنا تخص “هِتْلَر” زعيم النازية وطرائق تعامله مع الدبلوماسيين الذين كانوا يرسلون إليه من باقي الدول للتوصل إلى حل سلمي، فجميع الدبلوماسيين الذين التقوا هِتْلَر قالوا عنه إنه شخص منفتح للحل السلمي ويرحب به، في حين أن الدبلوماسيين ممن لم يلتقوا هِتْلَر وجهًا لوجه هم من رأوا حقيقته المنافقة الديكتاتورية، وهذا يقود إلى أُحْجِيَّتنا الثانية: كيف يمكن أن تترك مقابلتنا لشخص ما انطباعًا خطأً في حين أن عدم إجراء المقابلة يمكن أن يترك انطباعًا صحيحًا؟
ربما نجد الإجابة عند القاضي “سُولْمَان”، فوظيفته الحكم على عديد من الغرباء، وكل يوم يُطلب منه تقييم شخص غريب وإصدار حكم سواء بسجنه أو بإطلاق سراحه، هل يعقل أن القاضي كذلك يواجه مشكلة في إصدار الأحكام على الغرباء؟ إذًا فنحن لدينا وكلاء استخبارات مركزية لا يفهمون جواسيسهم، وقضاة لا يستطيعون فهم المدعى عليهم، ودبلوماسيون لا يستطيعون فهم خصومهم، بجانب ذلك لدينا أشخاص يعانون في الحكم على الغرباء أو تكوين انطباع عنهم ومعرفة نياتهم، هل هذا كله محض صدفة؟ يطلق على هذه الظواهر اسم “وهم البصيرة غير المتماثلة” فنحن نعتقد أننا نعرف الآخرين أفضل مما يعرفوننا، وأننا نمتلك نظرة مسبقة عنهم، ولا نفترض عكس ذلك، ومن ثم يقودنا ذلك إلى التحدث والاستماع بصبر أقل عندما يتحدث الآخرون فينتج سوء الفهم، فقد كان ضباط كوبا متأكدين من ولاء عملائهم، والقضاة كانوا متأكدين من أن قراراتهم لا تُؤخذ بشكل عشوائي، والدبلوماسيون لم يشكوا في دوافع خصومهم، وذلك لأنهم حكموا على الغرباء بسرعة معتقدين أنهم يرون بسهولة ما يدور في خلد الآخرين، متناسين أن الحكم على الغرباء ليس سهلًا بل يتطلب الدقة الشديدة والتريث.
الفكرة من كتاب التحدث إلى الغرباء.. ما الذي يجب أن نعرفه عن الغرباء؟
نلتقي يوميًّا بعديد من الغُرباء، ولكن من منا لا يُسيء فهمهم؟ مع الأسف، أغلبنا يُسيء فهمهم، فقد تقابل شرطي مرور وتراه شخصًا عصبيًّا، في حين أن شرطي المرور ذاك يراك موضع شك فتزداد حدة النقاش بينكما، فكلاكما يعد غريبًا بالنسبة إلى الآخر، ولمعالجة حالات سوء الفهم تلك، جاء إلينا هذا الكتاب لمناقشة لماذا نحن سيئون في الحكم على الآخرين، ولماذا نخفق في فهم الغرباء، وعبر صفحات هذا الكتاب سندرك الدوافع الكامنة وراء تصرفاتنا، وسنكتشف أن الغرباء ليسوا شخصيات بسيطة على الإطلاق، وسنعرف كيف نتعامل مع من لا نعرفهم، فلقد أصبحنا اليوم على تواصل دائم مع أشخاص يختلفون عنا، ويرون العالم من منظور غير منظورنا.
مؤلف كتاب التحدث إلى الغرباء.. ما الذي يجب أن نعرفه عن الغرباء؟
مالكولم غلادويل: كاتب، وعالم اجتماع، وصحفي كندي، ولد عام 1963م، وألَّف كتبًا عدة تصدرت قائمة أكثر الكتب مبيعًا في العالم، وعمل لفترة مراسلًا للعلوم والأعمال في صحيفة “واشنطن بوست”، وامتاز غلادويل بكتابة مقالات تتحدث عن التدخلات غير المتوقعة للبحوث العلمية لا سيما في قسم علم النفس والاجتماع، ومن أبرز مؤلفاته:
نقطة التحول.
المتميزون.. قصة النجاح.
طرفة عين.. قوة التفكير دون تفكير.
ماذا رأى الكلب.. ومغامرات أخرى.
معلومات عن المترجمة:
غيلدا العساف: ترجمت مؤلفات عدة من أبرزها:
أحدنا هو التالي.
في مصيدة الحب.