“أي درع لقتال لو جمد”.. الأندلس بين الهوى والهوان
“أي درع لقتال لو جمد”.. الأندلس بين الهوى والهوان
اهتم المعتضد بنشأة ابنه محمد أبي القاسم، فولاه مدينة أونَبَة في صغره، وأسند إليه قيادة الجيش المحاصر لمدينة شلب، واتصف المعتمد، كأكثر أهل زمنه، بالشاعرية وحب الأدب والميل إلى المتعة، وقد جعله هذا يتصل بصديقه ابن عمار، الذي كان شاعرًا مجازًا في بلاط أبيه، فوجد كل منهما بغيته في الآخر، المعتمد الذي تربى تحت ظلال الأبهة، وجد مراده من الصحبة وجمال الحديث وحب المغامرة، وابن عمار خامل الذكر، المقبل من أطراف بلاد الأندلس، وجد وسيلته نحو السلطة، والحق أن ابن عمار كان صنفًا يليق بزمن الطوائف، رجلًا لا يتورع عن طريق يرى في نهايته مراده، وصوليًّا طموحًا، لا يعبأ بصالح ولا طالح إلا ما يوافق هواه.
الغريب أن هاتين النفسين المتآلفتين كانتا غاية في الاختلاف، يظهر لنا هذا من شعريهما، فابن عمار فردي طموح قاصر الرؤية سيئ الظن بالناس، يخالفه في هذا المعتمد، عاش الصديقان كما أرادا طوال حكم المعتضد، وفي أثناء أمسية صافية في إحدى رحلاتهما، التقى المعتمد بالرُّمَيكِيَّة، زهرة حياته، وملتقى فؤاده ما بقي من حياته.
رأى الحياة مقبلة عليه في رفقة صديقه وحب حبيبته، فاجتذبها ما استطاع، ولم يحرم هواه شيئًا، وذاعت مغامراته وطرائفه مع زوجته في الأندلس، وكان صديقه ابن عمار قائده إلى نزواته ومتعه، يروي عطشه، ويُغرق المعتمد معه، ولكن مع توليه الحكم، شاركت نفس المعتمد شهوة أخرى، فقد ورث حب التوسع، وراودته أحلام توحيد الأندلس مرة أخرى على يديه، وحقًّا كانت الأسرة العبادية أكثر الطوائف نفوذًا، وأقواها حشودًا، ولكن مع ذلك لم يستطيعوا جمع تلك العوامل التي ذكرناها آنفًا، وكانت درة التاج الأندلسي، قرطبة، خارج سيطرتهم، وقد سعى المعتضد لسلبها بالدهاء والحيلة من بني جهور، ولكنها امتنعت عنه، وحاول المعتمد مرة معها أيضًا، ففقد فيها أحد ولديه، وفي المحاولة الثانية سقطت قرطبة ودانت للمعتمد. على هذه البسالة والجرأة في القتال والتوسع، فقد كان المعتمد كسائر ملوك الأندلس، يؤدي الجزية لكونت قشتالة، ويحاول مع وزيره ابن عمار، صديقه وصديق الكونت أيضًا، صد جيوش ألفونسو عن بلاده بكل الطرق إلا القتال.
الفكرة من كتاب المعتمد بن عباد
اشتهر المعتمد بن عباد بين ملوك الطوائف بمغامراته في الأندلس، وطرائفه مع زوجته الرميكية، وكان واحدًا من ملوك العرب المعدودين الذين برعوا في الشعر، فكانت أتفه الحوادث والمناظر تثير نفسه، وتسعفه قريحته في كل مرة، حتى ليمكننا تتبع سيرته من خلال قصائده، فقد كانت مستودعًا لجميع آماله وأحزانه. عاش المعتمد في عصر حاوط دولته فيه العدو والصديق، وتقاذفته السياسة بينهما، يوالي أحدهما على الآخر، بحسب ما يقتضي الحال، حتى أهلكته هذه الطريقة، فكانت مأساته جديرة بختام أسرة الملوك الشعراء.
مؤلف كتاب المعتمد بن عباد
علي أدهم: أديب وباحث، وُلد بالإسكندرية عام 1897 م، وتوقفت دراسته عند شهادة البكالوريا، عمل في وزارة المعارف، ورأس مكتب وزيرها، طه حسين، كما عمل أيضًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر، تنوعت مؤلفاته بين الدراسات الفلسفية والأدبية والتاريخية، ومن أهمها:
صقر قريش.
بين الفلسفة والأدب.
تلاقي الأكفاء.
الجمعيات السرية.