أين المسلمون؟

أين المسلمون؟
أيقظت مأساة البوسنة والهرسك جراحًا غائرة في جسد الأمة الإسلامية، سببتها اعتداءات متكررة على مقدسات المسلمين وأرواحهم في بقاع الأرض، فالتهبت حماسة الجماهير ومن ورائهم صناع القرار لمعالجة الموضوعات المتصلة بتلك الاعتداءات، فعُقد مؤتمر القمة الإسلامي السادس في السنغال سنة 1991م ومن بعده عَقدت منظمة المؤتمر الإسلامي عدة دورات استثنائية في تركيا ثم جدة ثم باكستان وذلك في عام واحد هو 1992م، وفي عام 1994م ناقش مؤتمر القمة الإسلامي السابع في المغرب القضية نفسها، لكن هل خرجت تلك المؤتمرات بنتائج؟

مع الأسف لم تتعد ردود فعل المسلمين مرحلة عقد القمم والمؤتمرات وإصدار التوصيات، فمرة “أدانوا بشدة” استمرار العدوان الصربي على البوسنة والهرسك و”طالبوا” بنشر قوات دولية على طول حدودها واتخاذ “تدابير مناسبة” لتسهيل عودة اللاجئين، ثم “طالبوا” بتجريد القوات الصربية في البوسنة والهرسك من السلاح وتسريحها، “وحمَّلوا السلطات الصربية مسؤولية الفظائع المُرتكبة” ومنع إمدادات الإغاثة إلى الشعب المسلم، وذكروا تلك السلطات بالطائلة القانونية التي تنتظرهم جراء جرائم الحرب المرتكبة، لكن السلطات الصربية ضربت بكلامهم عرض الحائط ولم تمتثل لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، بل وصلت إلى حد الاعتداء على القوات الدولية في المنطقة، فعادت المؤتمرات إلى الانعقاد وهذه المرة لاحظ المسؤولون “ببالغ الأسف” عدم امتثال صربيا والجبل الأسود للقرارات، و”شجبوا بشدة” تمادي القوات المعتدية في تجاهلها، ثم “أعربوا عن عميق قلقهم” إزاء تدهور الأوضاع و”ألمهم البالغ” تجاه تفاقم الأزمة الإنسانية، وطالبوا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بـ”النظر على وجه السرعة” في إقامة مناطق آمنة للمدنيين واتخاذ “الإجراءات الضرورية” بما فيها استعمال القوة لردع القوى المعتدية.
وقد كانت قرارات الهيئات الأممية شديدة الهشاشة فضلًا عن كونها لا تخضع لضمان التنفيذ، فمجلس الأمن يراوغ والأمم المتحدة تماطل وصربيا لا تعبأ بهذا ولا بذاك.
الفكرة من كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
كأننا في عام 1995م والحرب على أشدها في أرض غالية عُبد فيها الله سبحانه، كأننا نستمع لمراسل حرب عاش أجواءها وهو يمدنا -بعد بضع سنوات من اندلاعها- بتفاصيل المجازر وأعداد الشهداء وأحوال النازحين، نتابع معه أحوال تلك البلاد التي بلغت القاع وظُن أنها أندلس جديدة، يصيبنا اليأس، نتحسر، نبكي على انحداراتنا التي لم تعد تُحصى ثم نبتهج.. هناك أمل يلوح في الأفق، المقاومة بخير، وهي تدحر العدو عن أراضي الإسلام شيئًا فشيئًا، المجتمع الدولي مرتبك، والخصمان عنيدان، وخطة السلام المقترَحة تبدو مجحفة لأصحاب الأرض، فإلى أين تسير الأمور؟ هل ستضع الحرب أوزارها أم إن المجازر ستستمر؟
مؤلف كتاب البوسنة والهرسك: نكبة المسلمين المعاصرة
محمود بيومي: كاتب وصحفي مصري ولد عام 1946م، درس اللغة العربية في كلية الآداب جامعة عين شمس، وعمل رئيسًا لتحرير مجلة العربي في الفترة من 1992م إلى 2000م، وقد ألف عدة كتب منها:
اعتقال شعب: مأساة المسلمين في آسيا الوسطى.
الإسلام في خطر.