أوّل مصنع لصناعة الورق في العالم الإسلامي
أوّل مصنع لصناعة الورق في الإسلامي
لقد استغرقت رحلة الورق من موطنها في الصين إلى سمرقند في آسيا الوسطى نحو خمسة قرون، لكن ما إن دخل الإسلام آسيا الوسطى وعرف المسلمون الورق، حتى استخدمه مسلمو الأندلس عند ساحل المحيط الأطلسي بعد قرنين من الزمان فقط، فكما كان انتشار الإسلام السريع حدثًا غير مسبوق في تاريخ البشرية، كان إدخال الورق وصناعته وانتشاره في العالم الإسلامي إنجازًا تاريخيًّا وتقنيًّا رائعًا، إذ عمل على تغيير أوضاع المجتمع الإسلامي عُقيب انتشاره، ففي صدر الإسلام أسس الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أوَّل دواوين الخراج والجيش وبيت المال، واستخدم في ذلك الدفاتر “الرَّق” المصنوع من جلود الحيوانات، وبعد فتح مصر أضحى ورق البردي هو حامل الكتابة في دواوين الخلافة، حتى جاء الخليفة العباسي هارون الرشيد، فأسَّس أول مصنع للورق في بغداد، ومن ثمَّ توافرت كميات كافية من الورق للكتابة في الدواوين، وعلى هذا النحو حلَّ الورق سريعًا محل أوراق البردي النادرة والهشة، كما حلَّ محل الرَّق المُكلف، وبحلول القرن الثالث الهجري كان معظم علماء المسلمين وكذلك علماء النصارى واليهود الذين عاشوا بين ظهراني المسلمين، وتحت لواء الدولة الإسلامية، يستخدمون الورق في كتابة الرسائل وحفظ السجلات ونسخ المصنفات في الأدب والعقيدة وغيرها.
نتيجة لذلك أصبحت بغداد مركزًا لصناعة الورق، وعدَّ بعض الناس الورق البغدادي أفضل أنواع الورق، حتى إن المصادر البيزنطية أشارت إلى الورق في أحيان كثيرة باسم “البغدادي” في إشارة صريحة إلى الورق المنتج في بغداد، وبناءً على ذلك ازدهرت صناعة الورق في بغداد، وأصبح “الوراقة” عملًا تجاريًّا متوسعًا، فاكتظ سوق الوراقين جنوب غرب بغداد بأكثر من مئة دكان لبيع الورق والكتب، وخلال فترة حكمه اتخذ هارون الرشيد من مدينة الرقة في الشام عاصمة مؤقتة له، ومن ثمَّ عرفت الرَّقة صناعة الورق، وقد ارتبطت صناعة الورق بالشام لعدة قرون، وبحلول القرن السادس الهجري باتت صناعة الورق صناعة رئيسة في الشام، حتى إن الغرب اللاتيني كان يطلق على الورق اسم “الورق الدمشقي”، وظلت بغداد ودمشق تحتلان الريادة في صناعة أجود أنواع الورق، حتى دخل المغول بغداد، فصار الورق البغدادي عزيزًا وكان يستخدم حصرًا لنسخ الوثائق المهمة، كما انهارت واضمحلت صناعة الورق في الشام تدريجيًّا بسبب الطاعون وتردي الحالة الاقتصادية في ظل سلاطين المماليك المتأخرين، ثم ما لبث أن انهارت تمامًا بعد استيلاء تيمورلنك على دمشق.
الفكرة من كتاب قصة الورق … تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة
يتحدث الكاتب عن الكتابة وحوامل الكتابة منذ أن بدأ الإنسان التدوين، وصولًا إلى اختراع الورق وفضل المسلمين في تطوير تقنيات صناعة الورق ونقلها إلى جميع ديار الإسلام ومنها إلى أوروبا، كما جادل الكاتب في أن اختراع المطبعة على يد جوتنبرج ما كان ليُجدي نفعًا لو استخدمت آلته في الطباعة على الرَّق المصنوع من جلود الحيوانات، لأن تكلفة طباعة الكتاب على الرَّق كانت تساوي تقريبًا تكلفة نسخ الكتاب بخط اليد، ومن ثمَّ كان العالم سيستغرق وقتًا طويلًا ليدرك فوائد المطبعة، لو لم يُعرف سرّ صناعة الورق على أيدي المسلمين.
مؤلف كتاب قصة الورق … تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة
جوناثان بلوم : هو مؤرِّخ وأستاذ فنون أمريكي، عمل أستاذًا مزدوجًا في جامعة نورمان جان كالديروود للفنون الإسلامية والآسيوية في كلية بوسطن، كما عمل محاضرًا في جامعة هارفرد، حاصل على بكالوريوس الآداب في تاريخ الفن من جامعة هارفرد، كما حصل على ماجستير الآداب في تاريخ الفن من جامعة ميتشيغان، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة في تاريخ الفن ودراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفرد عن أطروحته “المعنى في العمارة الفاطمية المبكرة”، من كتبه:
Islamic Arts.
Islam: A Thousand Years of Faith and Power.
The Minbar from the Kutubiyya Mosque.
معلومات عن المترجم:
الدكتور أحمد العدوي: هو باحث ومؤرِّخ مصري، مُتخصِّص في التاريخ الإسلامي، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآداب من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد عمِل باحثًا ومحاضرًا بجامعتي القاهرة والأزهر في مصر، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا بقسم العلوم الإسلامية بكلية الإلهيات بجامعة (ÇOMÜ) بتركيا، من ترجماته:
جيش الشرق: الجنود الفرنسيين في مصر ١٧٩٨-١٨٠١.
نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي.