أول العهد المدني مسجد
أول العهد المدني مسجد
مشى موكب العزة الصغير الجليل في الصحراء الواسعة الساكنة، حتى أشرف على المدينة واستقبلته الجموع المؤمنة الغفيرة، فكان هذا أول النصر والتمكين وابتداء التاريخ لسائر المسلمين.
بدأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أول ما بدأ بالمسجد، رمز الإيمان ومدرسة العلم وبرلمان العدل، شارك أصحابه العمل على بنائه وحمل الحجارة بيديه الشريفتين فبناه من لبن وطين، فكان أول مسجد للمسلمين، وكانت يثرب (المدينة المنورة) هي باب الدعوة الذي هاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) إليه، وبها خُتِمَت في تاريخ الدعوة صفحة الدعوة في مكة ومضى معها عهد الهزيمة والضعف، وفُتحت صفحة الدعوة في المدينة وجاء زمان النصر والقوة.
لم يحرص نبي الله (صلى الله عليه وسلم) على التقشُّف أو يتعمَّد الجوع إذ لم يكن متعمدًا للزهد، بل كان يأكل ما يُقدَّم إليه وإذا لم يُعجبه لم يأكله ولم يَعِبْهُ، فإذا لم يصبر على الجوع ربط الحجر على بطنه الشريف، وكان (صلى الله عليه وسلم) يلبس ما وجد، فليس له زي مخصوص، ولم يُحرِّم الزينة لكنه لم يكن يحرص عليها، فقد فرغ قلبه الطاهر من شهوات الدنيا كالغنى والجاه، وكان هذا حاله (صلى الله عليه وسلم) في مكة وفي المدينة.
كانت الهجرة النبوية الشريفة إذن هي أولى سلاسل المعارك الفاصلة؛ معارك الدفاع عن الحق، فقد انطلق محمد (صلى الله عليه وسلم) ليحطِّم الطواغيت ويهزم الكفر وينشر الإسلام والإيمان، إذ إن نبي الرحمة (صلى الله عليه وسلم) لم يُبعَث إلى قريشٍ وحدها، وإنما بُعِث إلى العالمين، فهاجر عن قريش صوب أنصاره في يثرب، في بلاد الظل والماء لتكون تلك الأرض هي اللبنة الأولى في دولة الإسلام.
الفكرة من كتاب سيد رجال التاريخ محمد
يُعد هذا الكتاب الذي بين أيدينا من كتب الشمائل والسيرة اللطيفة العبارة، صغيرة الحجم، والعامرة بمشاعر الولاء والانتماء إلى نبي الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وقد اعتاد علي الطنطاوي الكتابة والتحدُّث عن الهجرة في أول كل سنة هجرية على مر سنين حياته (رحمه الله)، كما اعتاد الكتابة والحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أيضًا في يوم مولده.
ينقسم الناس أمام معرفة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى فريقين اثنين، فريق ينتسب إلى الإسلام يقلِّد خصوم الإسلام، ويقرِّر أن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) كان عبقريًّا، ويسكت عن جانب الرسالة أو ينكره، وفريق رفعه فوق البشرية، ونسب إليه ما لم يقع، والحقيقة ليست هنا ولا هناك، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان بشرًا ولكنه بمزاياه كان فوق البشر، وكان يوحى إليه من رب البشر سُبحانه، يقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾.
مؤلف كتاب سيد رجال التاريخ محمد
الشيخ علي الطنطاوي: (23 جمادى الأولى 1327 هـ 12 يونيو 1909م – 18 يونيو عام 1999م الموافق 4 ربيع الأول 1420 هـ) هو فقيه وأديب وقاضٍ سوري، ويُعدُّ من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين، وعمل منذ شبابه في سلك التعليم الابتدائي والثانوي في سوريا والعراق ولبنان حتى عام 1940، وقد ترك التعليم ودخل سلك القضاء، فأمضى فيه خمسة وعشرين عامًا.
أشهر مؤلفاته: “أعلام التاريخ”، و”حكايات من التاريخ”، و”ذكريات علي الطنطاوي”، و”فتاوى علي الطنطاوي”، و”قصص من الحياة”، و”من حديث النفس”، و”من نفحات الحرم”، والعديد من المؤلفات الأخرى.