أوجه الاختلاف بين الغرب المعاصر ومسيحية القرون الوسطى
أوجه الاختلاف بين الغرب المعاصر ومسيحية القرون الوسطى
هناك صدام بين رأيين في ما يتعلق بالكنيسة في العصور الوسطى، رأي يقول إن الكنيسة كانت مزدحمة بالناس وخالية من الفساد، وكان جميع الناس يمارسون التدين ويحضرون القداس بشكل أسبوعي، ورأي آخر يقول إنها كانت فارغة من الناس وفاسدة، بينما الحقيقة تكمن بين هذين الرأيين المتطرفين، فالكنائس لم تكن فارغة ولا مزدحمة، والناس لم يكونوا جميعهم متدينين، كما لم يكن جميعهم هاجرين للكنيسة، فبالنظر إلى السلوك الديني في أواخر العصور الوسطى والغرب المعاصر وبالتحديد في إنجلترا، نجد أنفسنا نسأل سؤالين، السؤال الأول “هل كان الجميع يذهبون إلى الكنيسة في الحقبة القروسطية؟” فحسب الشريعة المسيحية يجب على الجميع الالتزام بالذهاب إلى الكنيسة، لكن نكتشف أن الفقراء لم يكونوا يذهبون إلى القداس الأسبوعي، وكان حضورهم متقطعًا ونادرًا، ولم يكن وضع الطبقات الغنية أفضل حالًا، إذ تبيِّن السجلات الأعذار التي كان أصحاب الجاه يختلقونها كالمرض والعمل كي لا يحضروا إلى الكنيسة.
والسؤال الثاني “ماذا كان يفعل من كان يذهب إلى الكنيسة في الحقبة القروسطية؟” لقد كانت الكنائس في العصور الوسطى مراكز اجتماعية، إذ كان الناس يُجرون فيها الأعمال التجارية، كما كانت أماكن للرومانسية واكتشاف شركاء زواج محتملين.
وبالمقارنة بين وضع الكنيسة في الحقبة القروسطية ووضع الكنيسة في الغرب المعاصر، نجد أن نحو 15% فقط هم من يأخذون الدين على محمل الجد، ونحو 10% يرفضون الإيمان والممارسة الدينية، والأغلبية وهم 75% يصفون أنفسهم بأنهم يؤمنون بالله، وبناءً على ذلك، يمكن القول إن صورة التدين في العصور الوسطى هي مرآة الغرب المعاصر، فالبعض وهم قلة قليلة معادون للدين والكنيسة، وقلة أخرى كانت متدينة وتمارس الدين، أما الأغلبية فكانت متعاطفة وداعمة، ومن ثمَّ فإن ما يُثار عن تراجع الكنيسة في الغرب المعاصر وفقًا لقلة عدد من يترددون على الكنيسة راجع إلى الدور الاجتماعي الذي كانت تلعبه الكنيسة في الحقبة القروسطية، وهذا الدور الاجتماعي أصبحت تقوم به المؤسسات المدنية الأخرى، وخير مثال على ذلك الخدمات الصحية التي تقدمها المملكة المتحدة، فالجميع ينتسبون إليها ويدفعون الضرائب للحفاظ عليها.
أما بالنسبة إلى انخفاض نسبة التدين والابتعاد عن الإيمان بما فوق الطبيعة في الغرب المعاصر فليس صحيحًا تمامًا، لأن الصورة أعقد من ثنائية الإيمان بما فوق الطبيعة وعدم الإيمان، فالإحصاءات تؤكد أن نسبة كبيرة من المجتمع الغربي المعاصر تؤمن بالله، وإن كان إيمانًا يتعلق بوجهات نظر عن الله، وليس معتقدًا مسيحيًّا خالصًا، وبناءً على ذلك فإن المجتمع الغربي ما زال يؤمن بوجود شيء ما فوق طبيعي.
الفكرة من كتاب تاريخ موجز للعلمانية
يحاول الكاتب إثبات أن العلمانية لا تُمثل نهاية الدين وخصوصًا الدين المسيحي في الغرب، كما أنها لا تُعبِّر عن إلحاد الغرب، لأن العلمانية والأخلاق الليبرالية تعتمدان بشكل واضح على الإرث المسيحي، ومن ثمَّ فإنه يرى أن العلمانية هي صورة متطورة وحديثة من المسيحية، وأنها تعبر عن الأخلاق المسيحية منفصلة عن عقيدتها.
مؤلف كتاب تاريخ موجز للعلمانية
غرايم سميث : هو أستاذ لاهوت، وباحث في القضايا المتعلقة بدور الدين في المجتمع، كما أنه أحد المؤسسين لمجلة اللاهوت السياسي، ويعمل محررًا فخريًّا لها، من مؤلفاته:
Oxford 1937: The Universal Christian Council of Life and Work.
معلومات عن المترجم:
مصطفى منادي إدريسي: هو باحث مغربي، مهتم بقضايا العلمانية وتاريخها، حاصل على إجازة في الفلسفة عام 2006، كما حصل على شهادة من المدرسة العليا للأساتذة عام 2007، وترجم عدَّة مقالات ودراسات خاصة بالعلمانية والسياسة.