أهمية الكتابة والخطابة في الحياة السياسية
أهمية الكتابة والخطابة في الحياة السياسية
كانت الكتابة والخطابة أهم أدوات الفكر السياسي للمصريين القدماء، فقد ساعدت الكتابة على تخليد تراثهم وتوثيق أفكارهم السياسية وما ارتبط بها من المبادئ التي تحقق الرخاء والاستقرار للمواطنين، وهناك العديد من البرديات التي كشفت عن مكانة الكتابة قديمًا، منها بردية “سِنب حُتُب” التي أوصى فيها ابنه أن يكون كاتبًا وحكيمًا لأن الكتابة أعظم مهنة وهي موطن الجمال والفضيلة، وأن ما يخطه بقلمه سيخلد إلى الأبد، وبردية أُخرى أوضحت أهمية الكتابة في تحقيق السمو والاستقلال والحكمة للكاتب. وبالإضافة إلى كونها مهنة شريفة ومقدسة فقد كانت الأساس لظهور فن الخطابة الذي احتل مكانة عظيمة في الحياة السياسية في مصر القديمة، كما ورد في برديات الوزير والمفكر السياسي العظيم “بِتاح حُتب”، وهو أول من أدرك العلاقة الوثيقة بين التفوق السياسي وفن الخطابة، وأن الحكمة والقدرة على الإقناع لهما تأثير أكبر من القتال واستخدام القوة.
بذلك يتضح لنا كيف اعتبر المصريون أن مهنة الكتابة قدوة يحتذى بها، وكيف كان الكتاب والحكماء قديمًا يمتازون بالبلاغة في الخطاب والقدرة على الإقناع، وقد ظهر ذلك في بردياتهم التي توارثها المصريون ودرسوها لأبنائهم، كما فعل الملك الأهناسي المسن حينما أمر ابنه بقراءة برديات “بتاح حتب”، التي كان قد مر عليها أربعمئة سنة، وكانت من أهم الموروثات الأدبية والسياسية، فقد تضمنت تعاليم بِتاح لابنه ليكون سياسيًّا محنكًا، ومنها اكتساب القدرة على الخطابة والإقناع لينال ثقة الملك، والسمعة الطيبة بين المواطنين فيكون ذا حظوة بينهم، كما أن السياسي الناجح هو من يستمع لخطابات المظلومين وشكواهم ويحقق العدالة بينهم وهذا أساس الفضيلة السياسية.
الفكرة من كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
هذا الكتاب عبارة عن قراءة تحليلية لبعض النصوص التي توضح ملامح الفلسفة السياسية في مصر القديمة، فمصر أول من وضع دعائم الفكر السياسي وما ارتكز عليه من مبادئ كالعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأول من سطّر مفهوم الدولة المركزية والفصل بين السلطات.
لقد أظهرت الخطابات السياسية المحفوظة إلى أي مدى بلغ النضج السياسي للمصريين القدماء درجة غير مسبوقة، وكيف كان الاحترام متبادلًا بين الحكام والشعب حتى في الفترات السياسية المضطربة. هذه الفلسفة الراقية التي لم يعرفها العالم سوى في العصر الحديث استطاع المصريون القدماء تطبيقها منذ آلاف السنين.
مؤلف كتاب الخطاب السياسي في مصر القديمة
مصطفى النشار: أحد أهم المفكرين والفلاسفة المصريين المعاصرين، ولد عام ١٩٥٣م بالقاهرة، حصل على الدكتوراه في الفلسفة بجامعة القاهرة، عمل عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم عميدًا لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة ٦ أكتوبر، نجح في تطوير البرامج التعليمية في العديد من الكليات والجامعات المصرية، وحصل على عدة جوائز علمية، منها الجائزة التقديرية لأفضل كتاب من مؤسسة الأهرام عام ٢٠٠٦م. له أكثر من خمسين مؤلفًا في الفلسفة، خصوصًا الفلسفة اليونانية والفكر المصري القديم، منها:
نظرية المعرفة عند أرسطو.
فلاسفة أيقظوا العالم.
ثقافة التقدم وتحديث مصر.