أهذا إدمان أمّ قلّة تركيز؟
أهذا إدمان أمّ قلّة تركيز؟
عندما تتمشّى بالطّرقات ماذا تُلاحظ؟ دعني أخبرك.. ترى رؤوسًا منكبَّةً على هواتفها المحمولة تشعر عند رؤيتها كأنها روبوتات يتم التحكُّم بها عن بعدٍ، فلقد أصبح لدينا جيلٌ كاملٌ يعاني إدمانًا من نوعٍ آخر؛ تكون الشَّاشة فيه هي المخدِّر، أي أن وقت الشَّاشة أصبح مثل الثقب الأسود الذي يمتصُّ الوجود، ويسحب معه هشاشتنا العقليَّة ليصير مآلها الفناء، وهناك أربعة أنواع من الهشاشات العقلية التي يلوح شبحها خلف مُدمني الشَّاشات وهي: متلازمة القلق، والفصام، والخوف من نسيان الأقران، والتَّجهُّم، أما عن “متلازمة القلق” فهي أكثر الهشاشات العقليَّة شيوعًا، وتعني خوف فقدان نظرة الآخرين الإلكترونيّة، والحاجة الدّائمة إلى استعراض مختلف لحظات الوجود على الإنترنت مهما كانت تافهة، بينما يُصيب “الفصام” أولئك الذين يرتدون الأقنعة، ويمتلكون هُويَّات عدةً متباينةً بين شخصَّياتهم في الواقع وعلى الشَّاشات، وينتهي بهم الحال إلى عدم معرفة أي منهم هي شخصيَّتهم الحقيقيَّة، في حين أن “الخوف من التَّعرُّض للنّسيان” يظهر جليًّا على من يتّخذ شاشته ملاذه الوحيد، فيخاف أن يُنسى من قبل أقرانه الرقميين، ويرغب في الحصول على التّعليقات والإعجابات ليعزِّز من شعوره بأنه ليس عرضة للنّسيان، وهذا يقودنا لآخر الهشاشات العقليّة وهو “التَّجهُّم” الذي يسبق الاكتئاب، ويظهر عندما يخاف الشّخص أن يكون الآخرون أكثر حضورًا منه.
وتحاول أغلب المؤسّسات التّجاريّة فهم السُّلوك الإدمانيّ للإنسان ثُمّ تستغلُّه لتحقيق الأرباح، فتجد حجم عربات تسوّق المتاجر الكبرى في زيادة دائمة، إذ إنه كلما كبرت تلك العربات، زادت مشتريات الزّبائن، وتنتهج منصة نِتفلِيكْسْ هذا النّهج عندما تُوقف كلّ حلقة عند عقدة تزيد من تعطُّش المشاهد لمعرفة الحلّ، ولا تقتصر الخدمات الرَّقميَّة على ذلك فقط بل وصل بها الأمر إلى بناء تطبيقات تجذب زائريها لأطول فترة ممكنة؛ على أمل إيصاله إلى فقدان سيطرته على الوقت، وهذا يجعلنا نستنتج أن إدمان استخدام تلك التِّقنيّات الرَّقميَّة لم يكن وليد الصُّدفة، إنما هو الأثر المستهدَف فِعليًّا من قبل الخدمات المُقدَّمة من تلك الشركات.
الفكرة من كتاب حضارة السمكة الحمراء.. مقالة حول سوق الانتباه
هل سبق أن جلست مع شخص ما، وفجأة نسِيَ شيئًا كان يَودُّ قوله، ثم قال مازحًا إنه يمتلك ذاكرة سمكة؟! ولكن مهلًا! ما علاقة السَّمكة بذاكرتك؟ هذا ما سنعرفه في كتابنا اليوم، فسمكة الزّينة الحمراء مدى انتباهها هو 8 ثواني لا أكثر ولا أقل، ووسط فوضى التُّكنولوجيا الحديثة أصبح مدى انتباهنا نحن والجيل الحالي لا يتعدّى التسع ثواني، أي أنّنا أصبحنا أسماكًا حمراء سجينة إناء زجاجيّ يملؤه الإنترنت، ومواقع التَّواصل الاجتماعيّ، وخاضع لسيطرة الخوارزميّات، ولتوضيح الأسباب وراء قلّة تركيزنا جاء إلينا هذا الكتاب، فهو بمنزلة إزالة للغمام من على العيون، وكسر للإناء الزُّجاجيّ الّذي يحيطنا، وطريق للتّحرُّر من إدمان الإنترنت، واسترداد للسّيطرة على العقل والوقت والحياة.
مؤلف كتاب حضارة السمكة الحمراء.. مقالة حول سوق الانتباه
برونو باتينو: كاتب وصحفي فرنسي وُلد عام 1965، حصل على دكتوراه في العلوم السياسيّة من جامعة “بَانْثِيونْ سُورْبُونْ” في عام 1998، ودرجة “برنامج الإدارة المتقدِّمة” من “إِنْسِيَادْ” في عام 2004، ويشغل حاليًّا منصب رئيس مجلس إدارة Arte France org chart.
ومن أهمّ أعماله:
La condition numérique.
S’informer, à quoi bon?
Télévisions.
معلومات عن المترجم:
د. مُصْطَفَى حِجَازِي: مفكّر وكاتب لبنانيّ، تخصّص في علم النّفس والسُّلوك النَّفسيّ والصّحّة العقليّة، وحصل على ليسانس علم النّفس من جامعة عين شمس في مصر، ثمّ على الدُّكتوراه في علم النّفس من جامعة “لِيُونْ – فَرَنْسَا”، كما شغل منصب أستاذ علم النَّفس في الجامعة اللُّبنانيّة من 1983 إلى 1990، وأستاذ الصّحّة النّفسيّة والإرشاد النّفسيّ في جامعة البحرين من 1991 إلى 2006.
ومن أبرز أعماله:
الأسرة وصحّتُها النَّفسيّة.
الإنسان المهدور.. دراسة تحليليّة نفسيّة اجتماعيّة.
التَّخلُّف الاجتماعيّ.. مدخل إلى سيكولوجيّة الإنسان المقهور.