أنماط التفكير المرضية
أنماط التفكير المرضية
تستحوذ على عقل الشخص المكتئب أنماطٌ مختلفة من التفكير، وهي شائعة لدى الناس جميعًا، لكنها لا تؤثر في حياتهم الاجتماعية والعملية بقدر تأثيرها الخطير في الشخص المكتئب، إذ تتوغل داخل عقله وحياته وتمنعه من التواصل وأداء أعماله، وقد تؤدي إلى انفصاله عن عائلته أو شريك حياته واعتزاله داخل منزله.
تتضمن هذه الأفكار عباراتٍ يكررها مريض الاكتئاب دائمًا، مثل: “أنا مكروه ولا أحد يحبني.. ليس لدي أصحاب ولا أحد يحب رفقتي.. أنا سيئ وممتلئ بالعيوب”، وقد تكون لدى هذا الشخص مزايا عديدة، لكنه يضخم عيوبه ويقلل مزاياه، كذلك يسيطر عليه الشعور بالدونية والنقص متجاهلًا الجوانب الإيجابية في حياته، بل إنه يحول هذه الإيجابيات إلى سلبيات، كأن يفسر حب الناس له بأنه شفقة وعطف، ويكثر من التشاؤم ويعمم الخبرات السيئة على حياته كلها، فيكره الزواج بسبب تجربة حب فاشلة، ويقيم الأمور والأشخاص بأسلوب متصلب غير مرن، فإما أنهم لا يخطئون أبدًا وإما أنهم لا يخلون من عيب.
إن مشكلة الشخص المكتئب هو أنه لا يفكر إلا في المستحيل، ولا ينظر سوى إلى ما ينقصه، فيفقد رغبته في ممارسة أي نشاط أو هواية، ثم يتألم ويغضب لما يحدث معه، وفي الغالب يؤدي ذلك التفكير السلبي إلى فشل علاقاته الاجتماعية، لأنه -وعن غير وعيٍ منه- يصدِّر تلك الطاقة السلبية للمحيطين به، ويظل يتحدث معهم عن فشله وانعدام قيمته، فيصبح غير قادر على الشعور بالحب والاهتمام، ومن ثم لن يستطيع تقديم تلك المشاعر إلى الآخرين، وفي النهاية يتجنبه الناس وينفرون منه، فيزداد انعزاله لشعوره بنفور الناس منه، ويدخل في تلك الدائرة المُفرَّغة التي ينتقل فيها من سيئٍ إلى أسوأ.
لذا يهتم الأطباء النفسيون حاليًّا بتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية لمرضى الاكتئاب، فجزءٌ كبير من العلاج يتركز على أن يستغل الفرد طاقته في تنمية مهاراته الاجتماعية والشخصية والحياتية.
الفكرة من كتاب ظلام في رأسي: لماذا نكتئب وكيف نجد الأمل؟
الاكتئاب مرضٌ خبيث واضطراب نفسي قاتل، يتسلل إلى النفس البشرية عند تعرضها باستمرار لمشاعر الغضب والإحباط دون أن ينفِّس الإنسان عن تلك المشاعر بطريقةٍ صحية، وتكمن خطورته في إهمال أعراضه وعدم علاجه، فيتفشى في عقل الشخص ويدمره، فيعوقه عن أداء واجباته أو التواصل مع الآخرين، ويهدم لديه إحساس الفرحة والراحة، ومن ثم يفقد رغبته في الحياة.
لذا يسعى هذا الكتاب إلى تعريفنا بطبيعة مرض الاكتئاب وأعراضه وأسبابه ونتائجه حتى نتمكن من علاجه وهزيمته، كذلك يشتمل على عدة طرائق وأساليب تساعدنا على التحكم في الأفكار السلبية والتعامل مع حالات القلق والتوتر، وكيفية تجاوز الأزمات والأوقات الصعبة، لتحقيق السعادة وراحة البال.
مؤلف كتاب ظلام في رأسي: لماذا نكتئب وكيف نجد الأمل؟
د. رانيا سامي: طبيبة نفسية وكاتبة روائية، حازت الدكتوراه في الطب النفسي، وهي عضوة اتحاد الأطباء النفسيين، صدرت لها رواية بعنوان “ما زلت أحبها سادة”.