أنا أختار.. أنا حي
أنا أختار.. أنا حي
حياة الإنسان مبنيةٌ على الاختيار، إذ من المعلوم أن الأصل في الأفعال هو الاختيار، فكل إنسانٍ يمتلك العقل يفكرُ ويختار ما يحقق له المنفعة، فالاختيار يكون مبنيًّا بالأساس على الرغبة، لكنَّ الرغبةَ وحدها لا تكفي لتحقيق الرفاهية، خصوصًا إذا ما تعارضت هذه الرغبة مع أمورٍ أخرى كالدين والعقل والصالح للمجتمع كلِّه، فمثلًا قد يوضع الإنسان أمام الاختيار الآتي: هل يتناول «الهيروين» أم لا؟
فإذا كان الاختيارُ مبنيًّا على الرغبة في السعادةِ وتحقيق المنفعة الشخصية وحسب، فإن الهيروين يوفر هذه السعادة اللحظية، لكنه في المقابل يعارض الدين الذي يحرِّم تعاطي هذه المخدرات، كما أنه يعارض العقلَ الذي يرفض أن يضعَ الإنسانُ نفسَه في محلِّ الإيذاء؛ لما تسببه المخدرات من مشكلات صحية وجسدية، وبناءً على ذلك يرفض الإنسان تعاطي الهيروين للأسباب المذكورة وغيرها.
وعليه يمكن تأكيد أن الاختيارَ السليمَ يكون مبنيًّا على الرغبة والمنطق لا الرغبة وحدها، إضافةً إلى بعض العوامل الأخرى التي توجد في بعض الاختيارات ولا توجد في بعضها الآخر كصالح المجتمع، ويشترك القلب والعقل في صنع قرارِ اختيارِ أحد الأشياء، فالقلب يقدم الرغبة، والعقل يوضح الأسباب ويناقش هذه الرغبة.
وإذا كان الاختيار قائمًا على المنطق العقلي وحده دون رغبةٍ في اتخاذه كان الاختيار فارغًا من الإحساس والمعنى، أما إذا كان قائمًا على الرغبةِ وحدها فإنها رغبةٌ واهنةٌ لا تصلح للاختيار النهائي، فمثال الأول: «براء» طالب في الثانوية، يريد دراسةَ الاقتصاد، لكن الجميع يخبره أن اللغات توفر وظيفةً أفضل، ورغم أن «براء» لا يحب تعلمَ اللغاتِ أصلًا ولا يبرع فيه فإنه يختاره دون رغبةٍ منه؛ نظرًا إلى توفر الأسباب التي تقوي من هذا الخيار، والنتيجة: يدرس «براء» اللغات وهو لا يحبها، ويشعر أن ما يقوم به خالٍ من الإحساس، ومثال الثاني مثال «الهيروين» الذي ذكرناه في البداية.
الفكرة من كتاب نظرية الاختيار.. مقدمة قصيرة جدًّا
كثيرةٌ هي الخيارات التي نواجهها، بدءًا من حياتنا اليومية: ماذا سنأكل؟ أي وسيلة مواصلات سنستقل؟ إلى أي مكانٍ سنذهب؟ مرورًا بالمنعطفات المهمة في حياتنا: ماذا سنعمل؟ مع مَن سنقضي بقية عمرنا؟ كذلك الخيارات على المستوى الجماعي: مَن سوف ننتخب؟
والحقيقة أن التطوُّر الحاصل في عالمنا زاد من الخيارات المتاحة أمامنا، وهذا وإن كان أمرًا جيدًا في حدِّ ذاتِه إلا أنه فتح أبواب الحكم على اختيارات الأشخاص، فأصبحنا نصِف بعض الاختيارات بالعقلانية وبعضها بعدمها، كما أننا صرنا نتساءل عن كيفية الاختيار عند عدم وضوح النتائج، وهل الإستراتيجيات المطبَّقة في أثناء الاختيار على المستوى الفردي هي ذاتها التي تطبَّق في أثناء الاختيار على المستوى الجماعي؟
يبيِّن الكتابُ نظريةَ الاختيار وكيفيةَ تطبيقها على مستوى هذه السياقات المختلفة، موضحًا معنى العقلانية، مع مناقشةٍ لفكرة توزيع الموارد.
مؤلف كتاب نظرية الاختيار.. مقدمة قصيرة جدًّا
مايكل ألينجهام : خبير اقتصادي بريطاني، وزميل كلية مودلين بجامعة أوكسفورد، درس عديد المجالات كالفلسفة الطبيعية والاقتصاد السياسي في جامعة إدنبره، واشتغل بالتدريس في عدد من الجامعات، وشغل منصب رئيس قسم النظرية الاقتصادية في جامعة كنت.
اشتهر بأعماله عن نظرية الاختيار وعدالة التوزيع، ومن أشهر مؤلفاته في هذا الصدد: «نظرية الاختيار العقلاني» و«التوازن وعدم التوازن» و«نظرية الأسواق».