أم وابنتها
أم وابنتها
في الطابق الأعلى من المنزل الذي سكن فيه “عبد المحسن”، تعيش السيدة بودي مالكته، ولم تكن بينها وبين الأسرة علاقة قوية في البداية، وكانت “أمل” تخاف أن تصعد إليها، ولكن في يوم من الأيام طلبت السيدة بودي منها أن توقظها صباحًا لكي تدفع الضرائب في المصرف، وحين صعدت “أمل” إليها وجدتها تئن وتبكي وبدا أنها لم تنم طول الليل، وكانت تمسك بصورة في إطارٍ مُذهَّب لفتاة جميلة.
حكت السيدة بودي لـ”أمل” عن ابنتها “جين” التي غادرت البيت منذ سنوات، ولم تعد تراسل أمها أو تتصل بها قطُّ في مجتمع يغيب فيه بر الوالدين، وبعد ذلك الموقف صارت العلاقة بين “أمل” والسيدة بودي قوية، وصارت “أمل” تقدم لها بعضًا من الطعام الذي تطهوه حيث كانت طباخة ماهرة، وكان الزوجان يمدان لها يد العون إذا أصابتها وعكة صحية، ولم تعتد السيدة بودي التي عاشت في كنف الحضارة المادية ودًّا ولطفًا كهذا من الأغراب، حتى إنها عرضت عليهما المال مقابل ما يقدمانه لها إلا أنهما رفضا ذلك بشدة.
لكن قصة السيدة بودي مع ابنتها لم تمر مرور الكرام على “أمل” -فلها من اسمها نصيب كبير- التي كانت مشغولة البال بجمع السيدة بابنتها برغم فراقهما الطويل، وبدأَت مع زوجها رحلة للبحث عن تلك المرأة بمساعدة البيانات القليلة التي تملكها أمها، وحين وصلا إلى رقم هاتفها أخيرًا أخبراها أن أمها مريضة على فراش الموت لتقتنع بالمجيء، وحين أتت استقبلتها أمها بحفاوة بالغة، لكن لم تلقَ من ابنتها إلا سلامًا باردًا، واستاءت “جين” حين اكتشفت الخدعة ووجدت أمها بصحة جيدة.
مكثت “جين” في البيت مع أمها أيامًا، وتعلقت كثيرًا بالطفلة الصغيرة “مناير”، وأغرقتها بالهدايا والحلويات، وكانت “أمل” تستغرب حال “جين” مع ابنتها، لكنها فهمتها حين فتحت قلبها لها وحكت عن اشتياقها إلى شعور الأمومة الذي كانت تتغافل عنه إلى أن بلغت أعتاب سن اليأس، وكانت تعطي وقتها كله لعملها ولجمع المال الذي لم تجد فيه سعادتها كما كانت ترجو، ورأت “جين” مع هذه الأسرة أيضًا صورة جميلة للحياة الزوجية المستقرة، ورأت في “عبد المحسن” ما غيَّر فكرتها عن الرجل العربي الشهواني الذي عرفته في الأفلام.
الفكرة من كتاب دفء الليالي الشاتية
في الغربة، يواجه الناس تحديات مختلفة تُختبر فيها قيمهم ومبادئهم، وفي هذه الرواية التي كُتبت عام 2002 يوجِّه الكاتب بعض الرسائل إلى الشباب الذين يواجهون تحديات الغربة من خلال مواقف ويوميات الشاب السعودي “عبد المحسن” الذي سافر مع أسرته الصغيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مبتعثًا للدراسات العليا.
مؤلف كتاب دفء الليالي الشاتية
عبد الله بن صالح العريني: أستاذ جامعي وكاتب وباحث سعودي، ولد في الرياض عام 1954، يعمل أستاذ دراسات عليا في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، وهو عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية، وعضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية أيضًا.
له العديد من الأعمال الروائية والقصصية منها: “مهما غلا الثمن” و”أشياؤهم الصغيرة” و”النار الباردة.. قصة إبراهيم (عليه السلام)” و”حدائق الصبر.. قصة أيوب (عليه السلام)” و”السفينة والطوفان.. قصة سيدنا نوح (عليه السلام)” و”صلاة في بطن الحوت.. قصة يونس (عليه السلام)”، وأعمال أخرى مثل: “الاتجاه الإسلامي في أعمال نجيب الكيلاني القصصية” و”شعر جهاد الروم في موازين النقد الأدبي” و”أدر حياتك.. قبل أن تديرك الحياة”.