أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون!
أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون!
وكما أن الفطرة تكشف لنا عن مستويات ومعانٍ للدلالة على وجود الله سبحانه فالعقل كذلك، فمن الدلائل العقلية على وجوده سبحانه دليل الخلق والإيجاد، وهو مبني على مقدمتين بدهيتين، وهما: أن الحوادث بما فيها نحن موجودة، وهذا معلوم بالضرورة من الحس والمشاهدة، والمقدمة الأخرى أن لهذه الحوادث سببًا، وأن هذا السبب هو الله (سبحانه وتعالى)، وهذه المقدمة يُستدلُّ عليها من مبدأ السببية، وهو مبدأ بدهي عقلي أوَّلي ضروري، فكون هذه الحوادث متحقِّقة يجعلنا نتساءل عن المحدث لها، وسنجد أن السؤال ينحصر بين: هل كونها أوجدت نفسها، وهذا غير ممكن، فكيف لها أن توجد نفسها بغير وجود ابتداءً، أو أن يكون أحدثها محدث غيرها من خارج نفسها، ولزم هذا المُحدث لها أن يكون أزليًّا لا مُحدث له، إذ إنه لو وُجد مُحدث له للزم أن يُحدِثه أو يخلقه أو يصنعه صانع فوقه، وهكذا، مما ينافي العقل، إذ إنه من الضرورة أن يكون هناك نقطة بداية يقف عندها هذا التسلسل، وهذا المبدأ مما يدركه الأطفال بداهةً.
وما يجري على المخلوقات يجري على الكون أيضًا، فالكون له بداية وبالتالي لزم أن يكون له سبب أو موجد لأن كل ما له بداية لا بد له من سبب والسبب المرجَّح لوجوده هو الله (سبحانه وتعالى)، إلا أن الملاحدة قد أوردوا جملة من الاعتراضات الواهية على هذه النتيجة، فما تلبث اعتراضاتهم تلك أن تتهاوى أمام الإحكام المطلق الذي سيقت به الأدلة والبراهين على يقينية إحداث الله سبحانه لهذا الكون بعد أن لم يكن.
تبقى قضية من المهم الإشارة إليها هنا، فقد يرد على المسلم من هذا الباب شيء من الخاطر والوسواس تجاه وجود الله نفسه، فقد ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم): “لن يدع الشيطان أن يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماوات والأرض؟ فيقول: الله، فيقول: فمن خلقك؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا أحسَّ أحدكم بذلك فليقل: آمنت بالله وبرسله”، وفي رواية أخرى يأمر فيها النبي بالاستعاذة والانتهاء عن الاسترسال وراء هذا الخاطر أو هذه الوسوسة، إذ إنها من جملة القدح في مبدأ من المبادئ الفطرية الأولية التي لا يصنع معها البرهان والاستدلال والنظر شيئًا إلا لمن استقرت في نفسه وولدت عنه شبهة، فحينئذٍ وجب عليها دفعها عن نفسه بالبرهنة والاستدلال حتى تعود الفطرة إلى أصلها إذ إن سؤال من خلق الله سؤال فاسد في الأصل.
الفكرة من كتاب شموع النهار
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل
وهل يحتاج النهار إلى دليل! وأي دليل هو أوضح من ضوء النهار المضيء لكل شيء آخر من حوله!
ولله المثل الأعلى، فإن محاولة إثبات وجود الله (سبحانه وتعالى)، وتطلُّب الدليل على ذلك بمثابة محاولة إيقاد شمعة في النهار كما يقول الكاتب، ومع ذلك فإنه يأخذنا في رحلة ماتعة في هذا الكتاب تزيد المؤمن يقينًا وتردُّ المرتاب إلى جادة الصواب، بتذكيره بمقتضيات الفطرة والعقل واستعراض أقوال المنحرفين في محاولة للتبصير ولإزالة الغشاوة.
مؤلف كتاب شموع النهار
عبد الله بن صالح العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندس سعودي، ويشغل منصب مدير مركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتمٌ بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، بدأ حبه للقراءة في سن مبكرة مع كتاب “صور من حياة الصحابة”.
حصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقبلها بكالوريوس هندسة حاسب آلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ومن أبرز مؤلفاته:
ينبوع الغواية الفكرية.
ميليشيا الإلحاد.
زخرف القول.
المنشقُّون.