أمُّ عمارة.. الأنصارية المجاهدة
أمُّ عمارة.. الأنصارية المجاهدة
ذات ليلة، بعد البعثة بأكثر من عشر سنوات، كانت بيعة العقبة الثانية التي بايع فيها اثنان وسبعون رجلًا وامرأتان رسولَ الله (ﷺ) على الطاعة والنُصرة، ومهدت تلك البيعة للهجرة إلى المدينة، وكانت إحدى المرأتين هي أم عمارة نسيبة بنت كعب (رضي الله عنها)، تلك المرأة العظيمة التي وفت ببيعتها أشد وفاء.
وفي يوم أُحد، خرجت مع الرجال إلى الحرب مجموعةٌ من النساء منهن أم عمارة، تسقي المجاهدين وتُداوي جراحهم، ولاحت بشائر النصر في البداية، لكن سرعان ما جاءت الهزيمة، إذ خالف الرُماة أمر رسول الله (ﷺ) بتركهم مواقعهم، وعمت الفوضى، ولم يبقَ حول رسول الله (ﷺ) يدافع عنه إلا نحو عشرة، منهم أم عمارة تقاتل دونه حتى أصيبت وجرحت جروحًا غائرة، وكذلك وزوجها وابناها، وقد شهدت أم عمارة مع رسول الله (ﷺ) سبع غزوات، تخلُف الرجال في متاعهم، وتداوي الجرحى، وتعتني بالمرضى.
وفي يومٍ أتت أم عمارة رسول الله (ﷺ) فقالت: ما أرَى كلَّ شيءٍ إلَّا للرِّجالِ، وما أرى النِّساءَ يُذكَرنَ بشيءٍ، فنزلت الآية: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
وحين ظهر مسيلمة الكذاب أرسل النبي (ﷺ) ابنها حبيبًا إليه، فقتله وقطعه إربًا إربًا، فاحتسبت وصبرت، وبعد وفاته (ﷺ)، في عهد أبي بكر خرجت هي وابنها زيد مع الجيش الذي خرج لمحاربة مسيلمة الكذاب، تقاتل أعداء الله حتى أثخنت بالجراح ويشارك ابنها في قتل مسيلمة الكذاب، فقرَّت عينها، وقد ضربت خير مثال للمؤمنة المجاهدة في حياتها.
الفكرة من كتاب نساءٌ حول الرسول
كان لنساء المؤمنين في عصر النبوة دورٌ كبيرٌ في نشر الدعوة ونُصرة الإسلام، سطرن بمواقفهن أسطرًا ذهبيةً وصفحاتٍ مُشرقةً في تاريخه، وهن خيرُ مثال وقدوة للمرأة في كل عصر، ويصحبنا هذا الكتاب لننظر معًا في سير ومواقف بعض النساء اللاتي كنَّ حول رسول الله (ﷺ).
مؤلف كتاب نساءٌ حول الرسول
أحمد الجدع: كاتبٌ وأديب فلسطيني. ولد عام 1941، درس في فلسطين حتى نال شهادة الدراسة الثانوية الأردنية ثم الثانوية العامة على النظام المصري (التوجيهية)، وفي عام 1970 حصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية، في جامعة بيروت العربية، وبعدها حصل على دبلوم عام في التربية وعلم النفس من جامعة قطر، وفي عام 1982م حصل على دبلوم خاص في التربية وعلم النفس من الجامعة نفسها.
عمل بالتدريس، وعمل كذلك مديرًا لدار الضياء للنشر والتوزيع، وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفاتٍ في الأدب والتراجم وغيرها، منها: “ألقاب الصحابة: مصادرها وقصصها وأهدافها”، و”صحابياتٌ ومواقف”، و”أبو سفيان بن حرب: من الجاهلية إلى الإسلام”، و”أحمد ديدات: حياته، نشاطه، مناظراته”، و”دواوين الشعر الإسلامي المعاصر – دراسة وتوثيق”.