أمير المؤمنين.. هذه المرة أبو بكر يحسم الجدل
أمير المؤمنين.. هذه المرة أبو بكر يحسم الجدل
كانت خلافة أبي بكر على قصرها عظيمة الأحداث والأثر، فقد انقلب العرب عليه وصارحوا المؤمنين بالعداوة والحرب فردهم إلى ما خرجوا منه، وبدأت في خلافته حروب الفرس واستطاع أن يؤمن أرض العرب في العراق، ولكن لم يشأ أبو بكر أن يختم حياته إلا وهو مطمئن على رعيته، فقرر أن يوصي بالخلافة لعمر بن الخطاب بعد أن شاور جماعة من صحابة رسول الله، وكانت هذه خدمة أخيرة جليلة من أبي بكر للمسلمين، فهو قد تركهم في موقف لا يجوز فيه التهاون، فهم على معظم الجبهات إما أمام الفرس وإما أمام الروم، وقد كانت هذه الدولة الفتية ما زالت بحاجة إلى رجال أشداء في الحق على سيرة سابقيهم، يتمون ما قد بدؤوه على نفس القدر من الحسم والكفاءة.
كان هناك من يتخوف من خلافة عمر بن الخطاب لشدته وغلظته، وأنى له ألا يكون شديدًا غليظًا وقد تربى في بيت الخطاب بن نفيل، ولكن هذا كان في الجاهلية.. فقد جاء الإسلام لمثل هذه النفوس الجامحة، يهدهدها ويكبح زمامها، وتدلل قصة إسلامه على هذا الانقلاب الشديد في شخصيته من المشرك القاسي الغليظ إلى المسلم الحاسم الرشيد، نعم، كان مزيجًا عجيبًا من العنف والرقة يتآلفان لا يتقابلان، كان في جاهليته فتى من قريش وفي شبابه مستقبلها الواعد ورمزًا لقوتها، فأصبح في الإسلام سببًا لهيبته وعزة لمعتنقيه، وقد كان لرسول الله كالسيل الجارف إذا رغب، والنهر الجاري متى أراد.
هذا المزيج المحفوف بالعقل والحكمة كان يُسدي النصح بما يرى وما يعرف للنبي، ولم يكن يخجل من الاعتراض على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أمر من أمور الدنيا، وفي مواضع كثيرة كان القرآن يأتي مطابقًا لرأيه، لذلك كان النبي يُحبه ويُقربه إليه ويسمع منه النصح ويُعبر له عن هذا التقدير، ولم يختلف موقفه هذا أيام أبي بكر، فكان عونًا دائمًا له ما احتاج إلى العون، وقد استثناه أبو بكر من جيش أسامة الذي كان خارجًا إلى الشام، واستأذن أسامة في أن يبقى عمر معه في المدينة مُشيرًا ومُعينًا، فقد رأى المسلمين في كل أحوالهم مظلومين ومنصورين وخبر جميع طباعهم، فكان نعم المُعين لسابقيه واستحق خلافتهم.
الفكرة من كتاب الشيخان
لقد حظيت فترة حكم الخليفتين عمر وأبي بكر (رضي الله عنهما) باهتمام كبير طوال تاريخ المسلمين، ذلك لأنهما كانا أسوة حسنة لمن تلاهما، فاقتفوا أثرهما راجين أن يُوفقوا في اتباعهما، هنا يتتبع طه حسين سيرة الشيخين في الجاهلية والإسلام، مبرزًا أهم التحديات التي واجهتهما، وكيف كانت مواقفهما منها، وكيف أقاما بنيان دولة ظلت قواعدها راسخة لمئات السنين.
مؤلف كتاب الشيخان
طه حسين، عميد الأدب العربي ومن أبرز الأسماء في الفكر الحديث، ولد في محافظة المنيا عام 1889، وتلقى تعليمه الأولي في الأزهر ثم في الجامعة المصرية التي حصل فيها على الدكتوراه في الفلسفة، ثم أوفد إلى جامعة مونبلييه بفرنسا ليكمل دراسته وأبحاثه بها ويعود إلى مصر، ليُعين أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية.
دائمًا ما أثارت مؤلفات وأطروحات طه حسين الجدل وما زالت تثيره حتى يومنا هذا، ومن أبرز مؤلفاته:
ذكرى أبي العلاء.
في الشعر الجاهلي.
الفتنة الكبرى.
الأيام.
مستقبل الثقافة في مصر.