ألمانيا والسياق التاريخي للنهضة
ألمانيا والسياق التاريخي للنهضة
للأمم تجاربها المختلفة في محاولة الخروج من مستنقع التخلف والالتحاق بركب الدول الغنية، ورغم التباين الذي قد يظهر بين تجربة وأخرى، فيمكننا القول إن الثابت المشترك بين كل تلك التجارب هو الإرادة الحقيقية للتغيير، فكل دولة تُكيِّف تجربتها وفق معادلتها المجتمعية المختلفة، والتاريخ هو الديوان لكل تلك التغيرات إذ لا يمكن الفصل بين أي نهضة تنموية لأي بلد وبين سياقها التاريخي، فالأمم إنما تبني مجدها بحجارة تم نحتها بالأمس، وبخاصة إذا اقترن هذا التاريخ بأحداث فاصلة في التاريخ البشري.
فالحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، كانت بدايةً لحقبة جديدةٍ في العالم بأكمله، حيث أعادت توزيع القوى في العالم كاملًا فظهرت القوى العظمى الجديدة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وبدأت على إثر ذلك الحرب الباردة بينهما، بالإضافة إلى تدمير بعض القوى العظمى في العالم، وكان على رأسها ألمانيا واليابان اللتان أصيبتا بأبشع أنواع الخسائر والدَّمار بعد هذه الحرب البشعة، وكانت أولى النتائج بعد الحرب العالمية الثانية انقسام ألمانيا إلى شقين أحدهما شيوعي والآخر رأسمالي، واستمر هذا الانقسام حتى عام 1990م بسقوط النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية واتحادها مع ألمانيا الغربية.
وقد بدأت عملية إعمار ألمانيا بمشروع الجنرال الأمريكي جورج مارشال الذي وضعه لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت ألمانيا شيئًا فشيئًا وببطء باستعادة قوتها، فقامت برفع مستوى المعيشة للشعب الألماني، والتقليل من مستويات البطالة وزيادة إنتاج الغذاء المحلي، والتقليل من السوق السوداء أيضًا، أما السبب الرئيس وراء النهضة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية فهو الثورة الصناعية التي شملت شتى المجالات خصوصًا في الصناعات الثقيلة، إذ تحتل ألمانيا بفضل تلك الثورة السبق في العديد من الصناعات المختلفة على مستوى العالم في الوقت الحالي.
الفكرة من كتاب التجربة النهضوية الألمانية.. كيف تغلَّبت ألمانيا على معوِّقات النهضة؟
كثير من الرجال الألمان قضوا نحبهم بعد الحرب العالمية الثانية فاختلَّ بذلك الميزان الديموغرافي للسكان، وهكذا أصبحت البلاد تعاني نقصًا حادًّا في أعداد الذكور، فكان على النساء الأخذ بزمام المبادرة لإعادة بناء البلاد من جديد، فخرجت تحمل بيدها رضيعها وبيدها الأخرى تزيح الأنقاض ومخلفات الحرب، حتى الأطفال قرَّروا أن يكون لهم دور في بناء الوطن، فكيف لا ينحني المرء تقديرًا وإجلالًا أمام مشهد كهذا؟!
نحن أمام مراجعة حية لمسارات التجربة النهضوية الألمانية من نواحٍ شتى، شملت المسارات التاريخية والسياسية والاجتماعية ولم تهمل كذلك الخلفيات الفكرية والبناء العقائدي، حيث تعرَّض الكاتب للظروف القاسية التي صاحبت عملية النهضة الألمانية، والإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية، فصار الأمر أشبه ما يكون بروشتة للإصلاح الاقتصادي يمكن للدول الأخرى الاستفادة منها.
مؤلف كتاب التجربة النهضوية الألمانية.. كيف تغلَّبت ألمانيا على معوِّقات النهضة؟
الدكتور عبد الجليل أميم: أستاذ جامعي وُلد عام 1968، تخرج في جامعة يوحنا جوتنبرغ بماينس، شعبة الفلسفة والبيداغوجيا، وحصل على الماجستير والدكتوراه في ذات التخصُّص، كما حصل على درجة الأستاذية في عام 2017، وتولى العديد من المهام الإدارية منها: محافظ خزانة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، ومدير مختبر سبل LCP (اللسانيات، التواصل، البيداغوجيا) بكلية الآداب منذ تأسيسه 2011 إلى الآن.
وله العديد من المؤلفات والكتب المنشورة منها: «منهجيات وأدوات منهجية تطبيقية للبحث والتحليل في الفلسفة والأدب والعلوم الإنسانية»، و«مدخل إلى البيداغوجيا أو علوم التربية»، و«الدين، السياسة، المجتمع.. في نسبية الطرح العلماني».