ألغاز التاريخ والهوية
ألغاز التاريخ والهوية
تسير الأمم وفق سنن ثابتة تُشكِّل أركانًا لذاتها المستقلة، وهذا هو لغز التاريخ الأعظم والمغزى الحقيقي المقصود بقولنا إن التاريخ يتكرَّر، ذلك أن تطور الأمم وتقلبها بين الأطوار المختلفة لا يخضع للعقل وإنما تتحكم طبائعها في تحديد مصائرها، تلك الطبائع التي تشكَّلت على مدى قرون عدة وترسَّخت بصورة يكاد يستحيل تغييرها، لذلك كان الأمر يتطلب النفاذ إلى غياهب التاريخ واستكشاف تلك العوامل التي أسهمت في تشكيل الذات النفسية لأمة ما، هذا بالضبط ما نعنيه بألغاز التاريخ.
فالذي يستطيع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية فقد فُتح له باب سر الوجود وأصبحت مصائر الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك القوى النفسية من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام، وغير ذلك من الحقائق الثابتة التي تنتقل من جيل إلى آخر، ومهما تقدمت أركان المدنية الحديثة ظلت تلك المبادئ الحيوانية متأصلة وتحكم مسيرة الِعرق شاء أم أبى، ذلك أن مشاعر كالرغبة والطمع والكره والحرص لا تتبدَّل مهما انعطفت بها أحداث التاريخ أو تقلدت أعلى مراتب الحضارة والمدنية.
ومن هذا الباب يُفهم أسرار بعض صدام الحضارات اليوم التي وإن أرجعها البعض إلى أسباب سياسية أو مصالح اقتصادية فهناك بُعد آخر لا يقل أهمية، بل ربما هو المحرك الخفي لكل تلك الأسباب، ألا وهو تأصل بعض الأفكار النفسية لدى بعض الأمم كادعاء بعضهم الأحقية بصدارة العالم أو دعوى التفوق العرقي، كما لا ينبغي أن نهمل ذلك الموروث الدفين من الحقد والكراهية فيما بين بعض الأعراق، هذا الموروث الذي وإن كان منسيًّا أيام السلم لتعذَّر إظهاره إلا أنه ما زال معافًى قابعًا في سرداب اللاشعور يظهر إذا تهيَّأت الظروف وتم استدعاؤه مجددًا، وليس أدل على ذلك من التباين الشديد في حال بعض الأمم حينما تكون مستضعفة وبين حالها حينما تتمكَّن من أمرها.
الفكرة من كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
إن الذي يستطيع الوصول إلى تلك القوى النفسية الخفية فقد فُتح له باب سر الوجود وأصبحت مصائر الشعوب بيده، ذلك أن الأمم مُسيَّرة بتلك القوى النفسية من مشاعر وأخلاق واحتياجات وطبائع وشهوات وأوهام.
يسلك الكاتب مسلكًا يرتكز على الملاحظة العلمية، في دراسة التاريخ لاشتقاق أحوال صعود الأمم وهبوطها وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى نزعاتها النفسية التي تحدد قالبها الفكري والشاعري ومن ثم مصيرها.
مؤلف كتاب السنن النفسية لتطور الأمم
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، وأنتج مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة والثقافة الشعبية ووسائل التأثير في الجموع، ما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
روح الجماعات.
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
روح الثورات والثورة الفرنسية.