ألعاب الفيديو والمجتمع
ألعاب الفيديو والمجتمع
في ظل التطورات المتلاحقة وزيادة الأعباء النفسية، يبقي البحث عن المتعة ولو لبضع دقائق هدفًا يستحق العناء، لكن يبدو الأمر أكثر من هذا، فلطالما حرصت المجتمعات البشرية على نوع من البهجة والسرور تمثَّل في الأعياد والمناسبات وإقامة الحفلات، وقد يتجه الشخص إلى ارتكاب المخالفات من خمر ونساء وتعاطي المواد المخدرة بغية الحصول على الإحساس بالنشوة، ولم يكن اللعب بعيدًا عن الأنشطة البشرية، فهو يعمل على تعزيز على التواصل البشري واكتساب المهارات وتوليد نوع من السرور والفرح.
قبل نحو عقدين من الآن كان معظم الناس لا يزالون يعدون ألعاب الفيديو شكلًا هامشيًّا من أشكال الترفيه، ومع فورة الأجهزة الرقمية الحديثة ارتفعت شعبية الألعاب الإلكترونية لتغزو العالم، فهي اليوم تمثل سوقًا عالمية تُقدر قيمتها بنحو 175 مليار دولار، وهي أعلى من سوقي الأفلام والموسيقى مجتمعتين! ومن المثير للاهتمام أنها تلقى قَبولًا واسعة من كل الشرائح المجتمعية على السواء، فوَفق بعض التقديرات هناك 2.7 مليار لاعب في أنحاء العالم، نصفهم تقريبًا من النساء، مما يضمن لها طلبًا مستمرًّا ومتزايدًا في المستقبل.
ومن الناحية العصبية تتراوح تأثيرات تلك الألعاب في الدماغ ما بين الإيجابية والسلبية، فمن ناحية تؤدي إلى استثارة الأجزاء الدماغية المسؤولة عن الذاكرة والانتباه والمهارات البصرية، وقد يتم استخدامها لتطوير برامج إعادة تأهيل فعالة تعتمد على حفز الخلايا أو الشبكة العصبية في الدماغ للأشخاص الذين يعانون بعض الإعاقات المعرفية، لذا فهي قد تعمل على زيادة كفاءة الدماغ، ولكن على الجانب الآخر يجب ألا يصل الأمر إلى حد الهوس والانزلاق إلى حالة من الإدمان للألعاب الإلكترونية، حيث قد تُحدث تغيرات وظيفية وهيكلية تماثل تلك التي تظهر في اضطرابات الإدمان الأخرى مثل إدمان الكحول والتدخين وغيرهما.
الفكرة من كتاب تغيُّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
“إن الأجهزة والتقنيات الرقمية، كشأن الأطعمة، بعضها أشد ضررًا أو أكثر نفعًا من البعض الآخر، وعلى ذلك إذا أردنا أن نتجنَّب أضرارها ونجني فوائدها، فعلينا أن نفهم أولًا كيف تؤثِّر هذه الأجهزة في أدمغتنا”.
يعدُّ هذا الكتاب خطوةً على طريق استشراف المستقبل الرقمي وآثاره في البشر، فهو يرصد وقائع هذا الزمن غير المسبوق، ويلقي بالظلال على ميكانيزم عمل الدماغ البشرية، ومن ثم يوضح أثر وسائل التواصل الاجتماعي في الوجدان البشري، وكذلك يحلل الأثر الناتج عن الألعاب الإلكترونية على الدماغ البشري.
مؤلف كتاب تغيُّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
سوزان أديل غرينفيلد (Susan Adele Greenfield): عالمة وكاتبة ومذيعة بريطانية وعضو مجلس اللوردات، وُلدت في لندن عام 1950 وهي تعمل وتعيش في أكسفورد، تخرجت في قسم علم النفس عام 1973، وحصلت على درجة الماجستير عام 1974 في الآداب من جامعة أكسفورد، ثم درجة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1977.
كما حصلت على 23 درجة شرفية والعديد من الزمالات البحثية من الجامعات البريطانية والدولية المختلفة، تعمل حاليًّا زميلًا بحثيًّا أول في كلية لينكولن بجامعة أكسفورد، وترأس فريقًا متعدد التخصصات لدراسة آليات الدماغ المتعلقة ببعض الأمراض مثل داء الزهايمر وداء باركنسون.
لها العديد من الكتب والمؤلفات منها: “الحياة الخاصة للدماغ”، و”العقل البشري”، و”يوم في حياة الدماغ”.