ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً
ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً
إن الموطن الأوَّل الذي اهتم به القُرآن في الإنسان؛ قلبه، وذلك لأن القلب مقام صلاح العبد أو فساده، لذا تنوَّعت الآيات التي تناولت القلب، سواء في تعامل المرء مع قلبه، أم تعامل القلوب مع بعضها، حرصًا على تطهيرها وصلاحها، فصلاح القلب حياة المرء، وكلما كان القلب أكثر قبولًا للوحي كان أجود في العبادة وأجمل في العطاء، تمامًا كالأرض التي تستقبل المطر فتُنبت وتُزهر، يقول الله تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾، فأولى بالمؤمن أن يستصلح أرضه المعنوية ليُشرق قلبه بأنوار الوحي، وأن يُخلِّي قلبه من أمراضه قبل أن يُحليه.
أما في تفاعل القلوب ببعضها فيقول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾، فإن تقارب القلوب آية من آيات الله سبحانه وتعالى، وفي تقاربها ازدهار للأخلاق، وزيادة الإيمان، ونماء القيم، فهي نعمة جليلة عظيمة، يقول الله في كتابه الكريم: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾، لذا حرص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يُوصي المسلمين بالأخوَّة الدينية، فقال (صلى الله عليه وسلم): “لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”.
ومن صور العناية بقلوب الآخرين اختيار اللفظ الأحسن، وهي عادة قُرآنية من صاحب القُرآن أدركها ولا بدَّ، فالقرآن الكريم يُكنِّي الأمور التي يُستحى من التصريح بها، مثل تعبيره عن الجماع بالرفث أو النكاح وغيرها من الألفاظ التي تحفظ الحياء، وهكذا كان حال العلماء، فقد كان الإمام البُخاري (رحمه الله) يُكثر من استخدام تعبير “سكتوا عنه” أو “فيه نظر”، وقلَّما يقول “كذَّاب”، وذلك في علم الجرح والتعديل، لذا لا بدَّ أن نتعاهد قلوبنا ونصلح سريرتنا كي تنشرح الصدور بالقُرآن، وتصبح واسعة لخلق الله.
الفكرة من كتاب مشارق الآي
إن شروق الشمس على الأرض يبعث الدفء والنور، ويجعل القلوب مسرورة لرؤية هذا الجمال، وهذا الشروق الأرضي له أثره الطيب الملموس، فما بالنا بشروق سماوي على القلوب؟ ماذا يحدث للقلب إن أشرقت عليه آيات الله، ففهمها واستخلص معناها، كيف يكون الجلال الحاصل؟ حين تشرق الآيات في القلوب فإنها تشع بأنوارها على الجوارح، فيكون المسلم قُرآنيًّا سمتًا وسلوكًا، فيكون نعم العبد!
وفي كتاب “مشارق الآي” يُقدم لنا الدكتور عبد اللطيف التويجري بعض الإشراقات لآيات القُرآن الكريم، ليُدرك القلب أن الذي غاب عن القُرآن قد فاته مشارق كثيرة.
مؤلف كتاب مشارق الآي
عبد اللطيف بن عبد الله التويجري: كاتب وداعية سعودي، حصل على الدكتوراه من كلية أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، له عددٌ من المقالات التربوية والدعوية، بجانب العديد من الخُطب المسموعة.
ومن أبرز مؤلفاته:
قلائد الذكرى.
تدبر القرآن الكريم.
تتبع الرخص بين الشرع والواقع.