أغمض عينيك.. تُبصر
أغمض عينيك.. تُبصر
أحيانًا يشعر الإنسان أنه يُبصر بقلبِه، أنه مُضاء من داخِله، ويكون هذا النور حُرًّا ليس له علاقة بليل أو نهار، بل تجدهُ أحيانًا في أبسط الناس، بل قد تُقابل إنسانًا فطريًّا لم يتعلم القراءة والكتابة، ولكن تشعر أن بداخله نورًا يسطع على كل شيء حوله.. فما السر في هذا النور؟
فالمعرفة العلمية المادية ليس لها علاقة به، ولا الشكل الظاهري مُرتبطٌ بِه، إنما في الحقيقة مصدر هذا النور تلك المعرفة الروحية الخالصة، تلك المعرفة المُتجاوزة لكل ما هو مادي!
يقول أحدهم في عبارةٍ حكيمة: “أغمض عينيك تُبصر”، وهذه هي الحقيقة فكم من مُبصر كان الأعمى أهدى منه وأرشد طريقًا، فالإبصار بالقلب نزولٌ إلى أعماق الليل لاكتشاف هذا النور الخافت، فيقتبسُ منه نورًا يهديه إلى المعرفة بالله والإيمان بِه، وبهذا المعنى سنفهم السر العجيب في تلك الآية الكريمة: ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾، سنفهم جيدًا لماذا يزداد إحساسنا بظلامنا الداخلي كلما أوقدت فينا شموع الإيمان، سنفهم جيدًا لماذا نشعر بتلك الرياح الشريرة التي تحاول إطفاء شموع صدورنا.
وحينما نفقد هذا النور، نفقد القُدرة على الشعور بالأشياء، نفقد معاني الرقة والجمال، نفقد القدرة على النظر إلى المخلوقات والتأمُّل في إبداع الخالق، نتساءل لماذا فقدنا القدرة على الدهشة؟ لماذا لم يعد للغروب ذلك الأثر في القلب؟ لماذا لا تكفينا رائحة البراءة؟ لماذا حدثت كل تلك القسوة؟ كل إجابات تلك الأسئلة ستعرفها حتمًا حينما يُضاء ذلك النور.. مرة أُخرى!
الفكرة من كتاب تأملات في عذوبة الكون
من منَّا الآن يندهش؟ يتعجَّب؟ يلقى في قلبه حرارة الجمال إن رأى أبسط المشاهد، هل فقد عصرنا اليوم الجمال؟ أم أننا فقدنا القُدرة على معرفة الجمال؟
حين خلق الله عز وجل الكون لم يجعله صغيرًا ضيِّقًا محدود المخلوقات والمظاهر والسُنن، بل كان كل شيء في تنوُّع واختلاف، ألوان، أشكال، روائح، والكثير من الأشياء التي تنعكس في النفس، فتُعزز جانب الفرح أو الحُزن، إلا أننا فقدنا القُدرة على الوقوف المؤقت اتجاه الأشياء، وتحريك أعيننا وقلوبنا اتجاهها، لذا اختزلنا هذا الكون الواسع فضاقت علينا نفوسنا.
بأسلوب شائق وجميل يأخذنا الكاتب في رحلة إلى كوننا الواسع لنتلمس معًا الكثير من الجماليات التي لم نلتفت إليها يومًا.
مؤلف كتاب تأملات في عذوبة الكون
أحمد شفيق بهجت (1932- 2011): أديب وصحفي مصري، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، عمل كاتبًا صحفيًّا في عدد من الصحف المصرية، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم نائب رئيس التحرير للشؤون الفنية بجريدة الأهرام، قدَّم برنامج “كلمتين وبس” الذي طُرح على مدى 30 عامًا على إذاعة البرنامج العام.
من أبرز مؤلفاته: “مذكرات زوج”، و”مذكرات صائم”، و”أنبياء الله”، و”بحار الحب عند الصوفية”، و”ثانية واحدة من الحب”.