أعزة على الكافرين
أعزة على الكافرين
لم يكن عمر مجرد رقم في جيوش المسلمين، وإنما كان هدفًا ذهبيًّا تسابق الكفار للنيل منه، فبعد هزيمة أُحُد قام أبو سفيان -وكان يومئذ مشركًا- ونادى في القوم: “أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ أَفِيكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِيكُمُ ابْنُ الخَطَّابِ؟” فلم يجيبوه، فقال: “أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ”، يقصد أنهم رؤوس حِراب، بقتلهم تنكسر شوكة الإسلام.
هذه ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها اسما محمد رسول الله ﷺ وأبي بكر باسم عمر، فقد قال رسول الله ﷺ إن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة، وإنهما وزيراه من أهل الأرض كجبريل وميكائيل من أهل السماء، وإنه يُحشر يوم القيامة بينهما، أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، وكثيرًا ما خرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار لا يرفع أحد بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، فيبتسمان ويبتسم، وقال عنهما وقد رآهما مقبلين: “هَذَانِ السَّمْعُ وَالبَصَرُ”، وقال عليّ كرم الله وجهه: “خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، مَنِ اقْتَدَى بِهِمَا عُصِمَ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا فَهُوَ مِنْ حِزْبِ اللهِ، وَحِزْبُ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ”، وكان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمون السورة من القرآن.
وكان عمر على حنكته العسكرية وبأسه في القتال عالمًا بأمور الدين، حتى قيل: “مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَّا نَزَلَ القُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ”، ومن ذلك ما تفاخر به عمر من الآيات التي وافق فيها ربه ﷻ مثل: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾، وقولهﷻ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، وقولهﷻ: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾، وقولهﷻ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ﴾، وفي أسارى بدر: ﴿لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
الفكرة من كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- من كبار الصحابة، أسلم في بداية الدعوة، وهاجر مع رسول الله ﷺ وصحبه كظله، وبشره رسول الله ﷺ بالجنة في غير موضع، ومع ذلك لم يمنعه تاريخه الحافل من أن يأمن مكر الله، فصام الدهر وقام الليل وحمل همّ الأمة، وبكى من خشية الله حتى نحرت دموعه خديه.
مَنّ الله عليه بالخلافة، وفتح له من مشارق الأرض ومغاربها ما لم يُفتَح لنبيه ولا صدِّيقه، فعلم معنى أن يستخلفه الله في أرضه، فحكم بما أنزل الله وعدل، واجتهد وأصاب، وحمّل نفسه ما لا تطيق خشية السؤال، فكان يدخل يده في دبر البعير ويقول: “إني أخاف أن أُسأَلَ عمّا بك!”، وكان يأكل مما يأكل منه فقراء المسلمين وربما أقل، وكثير وكثير مما لا يتسع المقام لذكره، فالرجل أكبر من أن تحتويه دَفَّتا كتاب، وإنما هي تذكرة، فكما فرق الله به بين الحق والباطل في صدر الإسلام، لربما نتبع أثره فنفرق بين الحق والباطل في زمن مالت فيه شمس الإسلام إلى الغروب.
قد صنعه الله من طينة نقية وُجِدَت بكثرة في تلاميذ رسول الله ﷺ، ولا يعجزه أن يصنعنا، إلا أننا انفلتنا من طينتنا وادّعينا الاستغناء!
مؤلف كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أبو الفرج الجوزي : وُلِدَ سنة خمسمئة وعشرة من الهجرة النبوية، ترعرع في مسجد محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، وتفقه وسمع الحديث وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأقل ما اجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مئة ألف منهم الخلفاء والوزراء والعلماء، وتُوُفِّيَ -رحمه الله- سنة خمسمئة وسبع وتسعين من الهجرة النبوية.
وله عديد من المصنفات منها:
زاد المسير.
الأحاديث الموضوعة.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلد.