أعداء المجتمع المنحط
أعداء المجتمع المنحط
ما الذي يجب أن يقلق المجتمع المنحط الذي توقَّف عن التقدم ووقع في دائرة التكرار واللامبالاة؟ الإجابة باختصار هي أعداؤه، ولكن ما يبعث على الاطمئنان أن حتى الأعداء إما أنهم يمرون بمرحلة الانحطاط وإما على أعتابها، فلا يكفي لكي تهزم حضارة أن تملك سمات الضعف، بل يجب أن تهزمها حضارة تمتلك سمات القوة، والعالم الغربي يتخبَّط بين خوفه من روسيا والصين وصعود الإسلام السياسي.
تمثِّل روسيا الحديثة نموذجًا يمينيًّا محافظًا عمَّا يسمى بالقيم الأسرية، والقوة التي يظهرها رئيسها بوتين في سياساته وقراراته تجذب العديد من الساسة والمثقفين الأوروبيين، رغبةً منهم في البحث عن بديل لانحطاط حضارتهم، بينما تعبِّر الصين عن نموذج التكنوقراط الذي يقدِّس الكفاءة في كل تفاصيل الإدارة، ولتحقيقها يعيَّن المختصون في كل شبر، ولكن تشير إحصائيات المواليد ومعدلات الخصوبة والنمو الاقتصادي الحالي أن هناك تقاربًا كبيرًا بينهما وبين الغرب المنحط، وهو ما يستبعد أن يستبدل أحدهما النموذج الغربي الليبرالي بالكلية.
أما الإسلام السياسي فهو عدو سائل، يسكن نفس الأراضي التي تقع تحت حكم الليبرالية الديمقراطية، وقد عبَّرت العديد من الأعمال الأدبية عن الخوف الكامن من الإسلام لاستناده على يقين كبير وواضح، رغم ما تعانيه دوله وكياناته وشعوبه من مشكلات أكبر من الجميع وعلى مختلف الأصعدة، حتى معدل الخصوبة رغم ارتفاعه فهو في انخفاض مستمر نتيجة احتكاكه بالتيارات النسوية والليبرالية.
وقد يكون التهديد غير مرئي وداخليًّا، كالاحتباس الحراري وتأثيره في الزراعة، وزيادته للمساحات غير الصالحة للعيش بأفريقيا التي سيلجأ أفرادها للهجرة إلى دول أوروبا وأمريكا، خصوصًا مع التسابق والتنافس على استقطاب أفضل العقول، ما يطرح الشكوك والمخاوف حول الهويات والعنف والعنصرية والاستقطاب.
الفكرة من كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
عند ذكر كلمة انحطاط، يتبادر إلى الأذهان التدهور والفساد الأخلاقي، وانغماس الأفراد في المتع والملذَّات دون معنى أو جدوى، ولكن إذا وسَّعنا أفق رؤيتنا ونظرنا إلى الحضارة في ضوء كلمة انحطاط، فإننا سنضمُّ الجوانب السياسية والاجتماعية والتكنولوجية إلى الأخلاقية، وسنحصل عندها على مفهوم شامل لكلمة انحطاط.
يعني الانحطاط في الحضارة التوقُّف عن التقدُّم بسبب فقدان الطاقة، والعمد إلى استهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية بلا هدف واضح، وغرق المجتمع في العبث واللاجدوى، ووقوع المؤسسات في التكرار، ولكن كيف تجمع الحضارة الحديثة بين سمات الانحطاط ومعدلات تقدُّمها؟ وهل يقودنا الانحطاط إلى بداية التأخر والتخلف؟ أيمكننا تفادي تلك الظاهرة أم أنها حتمية؟ وما الذي يمكن أن يمثِّل الحل في الخروج من مرحلة الانحطاط؟
مؤلف كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
روس جريجوري داوثت: كاتب ومدوِّن أمريكي شهير في صحيفة نيويورك تايمز، الصوت الأكثر شهرة عن تيَّار اليمين المحافظ الأمريكي، كما أن له خبرة سابقة كناقد سينمائي، ومن أهم أعماله: “الدين السيئ كيف أصبحنا أمة من الزنادقة”، و”الامتياز: هارفارد وتعليم الطبقة الحاكمة” .
معلومات عن المترجم:
عبدالمنعم المحجوب: باحث لغوي ومفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب”، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
وشارك في التأليف: أنس المحجوب.