أطوار الإسلام والمدنية
أطوار الإسلام والمدنية
كان لقضية المدنية وضعها الخاص داخل خطاب النهضة الحديث، واهتم بها كل المفكرين والمنشغلين بقضايا الفكر الإسلامي والعربي، محاولين الإجابة عن سؤال صعب؛ هل يقف الدين فعلًا أمام النهوض وتحقيق المدنية؟ مر هذا السؤال بعدة مراحل، أولاها على يدي رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي بكتاباتهما المحرزة لسبق وصف الحضارة الأوروبية وما تتمع به مدنها وعواصمها الكبرى، فقسما الحضارة إلى جزأين، مادي متعلق بالمنافع العمومية الدنيوية، وآخر معنوي يرتبط بالآداب والأخلاق الشرعية، وذهبا إلى جواز بل استحباب الاقتباس والاستفادة من الجزء الأول.
وبمرور السنوات جاءت المرحلة الثانية وكان بطلها الشيخ محمد عبده، الذي ركز مجهوداته في محاولة نفي التعارض بين الحضارة الحديثة والقيم الدينية المحافظة، وذهب إلى أن الدين سينقي ويهذب ما ينقص المدنية، مع الحرص على عدم تقليد القشور الحضارية بعيدًا عن المناهج والنظم الحديثة، أما المرحلة الثالثة فذهبت إلى أبعد من ذلك على يدي محمد فريد وجدي ومصطفى الغلاييني، متأثرين بمحمد عبده، فزعما أن أصول ومبادئ الدين هي مصادر المدنية الحقيقية، ووصول المدنية إلى الإسلام يعتبر ذروتها، وأننا لا ننكر وجود نواقص وأمراض بالمدنية الحديثة ولكن واجبنا إصلاحها لعدم وجود بديل آخر.
بالإضافة إلى اتفاق المدينة الحديثة والإسلام على احترام العقل ومحاربة خرافاته والاهتمام بعمران الأرض وفي ذلك إشارات من القرآن، كما أن أوروبا استفادت من التراث العلمي الضخم لعلماء المسلمين.
الفكرة من كتاب عصر النهضة: كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟
عندما نسمع مصطلح عصر النهضة، ما أول شيء يقفز إلى أذهاننا؟ أراهن أننا نتخيل الفترة التي امتدت ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر في أوروبا، يرجع هذا إلى عوامل كثيرة منها سطوة الفكر الغربي على الحياة الفكرية المعاصرة، بالإضافة إلى جهلنا بالجذور الفكرية لأمتنا.
إذ إننا نمتلك أيضًا عصرًا للنهضة، حاول فيه علماء ومفكرون أجلاء بعثَ الأمة الإسلامية والعربية من مرقدها، وتنوعت إسهاماتهم في مختلف المجالات الفكرية والدعوية والاجتماعية والسياسية، فما ملامح تلك الفترة الزمنية؟ متى بدأت؟ وأين انتهت؟ ولماذا؟ ومن الذين أخذوا على عواتقهم مسؤولية محاربة الجهل والخرافات المسيطرة وقتها؟ وهل ما زالت لتلك الفترة آثار في عالمنا المعاصر؟
مؤلف كتاب عصر النهضة: كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟
زكي ميلاد، كاتب وباحث ومؤلف سعودي الجنسية، ولد في القطيف عام 1965م، اهتم بالفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتأليفًا، وهو عضو في العديد من الهيئات الاستشارية الفكرية والمؤسسات المختلفة، كما أنه رأس تحرير مجلة الكلمة المهتمة بشؤون الفكر الإسلامي ببيروت، له العديد من المؤلفات، كتبًا وتراجم ورسائل منها:
محنة المثقف الديني مع العصر.
المسألة الحضارية.. كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟
كما أنه نشر مئات المقالات في العشرات من المنابر الإعلامية في مختلف عواصم العالم العربي.