أطواره
دين عمر كان دين الرجل القوي الشجاع، فقد أنكر اختفاء المسلمين وطلب من الرسول (صلى الله عليه وسلم) الخروج، فخرج المسلمون في صفَّين، صف فيه عمر وصف فيه حمزة، وحينها لقَّبه الرسول بالفاروق لأنه أعز الإسلام، وعندما خرج إلى الهجرة، طاف سبعًا حول الكعبة، ثم صلى وبعدها وقف يقول: “شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس من أراد أن تثكله أمه ويوتم ولده ويرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي”، وكان نهجه في الإسلام هو نفس نهجه إلى الإسلام، لا يقبل الوهن ولا الرياء، فقد كان يعظ الناس بألا ينظروا إلى صلاة أحد أو لصيامه، بل إلى صدقة، ولرعايته للأمانة، وورعه بعد ارتكاب المعصية، وكان يبغض من يتوانى ليقال عنه متوكل على الله، أو يتظاهر بالضعف ليقال عنه ناسك، أو يفرط في العبادة ليقال عنه زاهد، وعلى الرغم من قوته وشجاعته، فكان لا يبالي أن يختار أمرًا يظهره بمظهر الخوف طالما فهم أنه صواب.
وعندما تولَّى الخلافة، كان يعلم الاختلاف بين أن يحاسب المرء نفسه على نفسه، وبين محاسبة الخليفة نفسه لينزِّه نفسه وأهله عما ليس له حق فيه من مال وسلطان، وعلى الرغم من قناعته بالخشن من الملبس والمأكل، فإنه كان يعلم أن الطيبات حلال، والنهي عن الحلال يأباه الإسلام، فللمسلمين ما يشاؤون من طعام، لكن من ينفق من بيت المال له ما يكفيه، فسار على نهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المأكل والملبس له ولأهله.
وكان عمر شديدًا في الحرب، ووفيًّا في العهد، وفي أثناء خلافته زادت رقعة الدولة الإسلامية، ولم يتوسَّع حبًا في الجور أو تعطُّشًا إلى الدماء، فكان همه الأول هو حماية الإسلام في عقر داره، فقد حارب الروم والفرس لأنهم يحدِّقون بجزيرة العرب للبطش بها، وتردَّد في فتح مصر لكنه أقدم على ذلك لأن أريطون قائد الروم في بيت المقدس فرَّ إلى مصر ليجمع الجنود ويتأهَّب للكر على الشام، ولينظِّم عمر أحوال الدولة أنشأ حكومة، فرتَّب الدواوين، ووضع نظامًا للقضاء، وأنشأ بيت المال، ووصل بين أجزاء الدولة بالبريد، كما خصَّص موسم الحج لمراجعة ومحاسبة الولاة.
الفكرة من كتاب عبقرية عمر
ما بين القاهرة والسودان ظل العقاد يجمع المصادر ليُهدينا هذا الكتاب الذي يدور حول صفات وأطوار شخصية تُعدُّ من أعظم الشخصيات الإسلامية، وهي شخصية الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقد عرض له خاطره النقد لكنه شعر بالحرج، فكيف يُحاسِب رجلًا كان أشد حسابًا لنفسه، فبعد تمحيص من العقاد وجد أن كل موضع نُقِد فيه عمر كان له حُجَّة قوية وإن أخطأه الصواب، وقد ذكر بعضها في خلال هذا الكتاب، فهنا لن نتعمَّق في سيرة عمر بن الخطاب، بل في صفاته وثقافته، وفي أطواره، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وأثناء الحكم، وفي علاقته بالنبي(صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه وأهل بيته.
مؤلف كتاب عبقرية عمر
عباس محمود العقاد: أديب مصري، وشاعر، ومؤرخ، وفيلسوف، وسياسي وصحفي، وُلد بمدينة أسوان عام 1889، واكتفى بالحصول على الشهادة الابتدائية، لكنه ظل يعكف على الكتب ويثقِّف نفسه بنفسه حتى وصلت مكتبته إلى أكثر من ثلاثين ألف كتاب، وقد التحق بالعديد من الوظائف الحكومية ولكنه لم يظل طويلًا في أيٍّ منها، لأنه كان يرى الوظيفة الحكومية سجنًا لأدبه، فاتجه بعد ذلك إلى الصحافة حيث التحق بجريدة الدستور، وأصدر جريدة الضياء، وعمل في أشهر الصحف آنذاك، وقد دخل في معارك مع كبار الأدباء والشعراء، وشارك في تأسيس مدرسة الديوان، كما شارك في معترك الحياة السياسية، فانضم إلى حزب الوفد، وهاجم الملك فاروق أثناء إعداد الدستور، فسُجِن لمدة تسعة أشهر، تعدَّت كتبه المائة، وأشهرها:
سلسلة العبقريات.
أنا.
سارة.
وحي الأربعين.
كما قام أيضًا بتأليف عدَّة قصائد، منها:
أصداء الشارع.
الآمال.
العقل والجنون.