أطفال العرب
أطفال العرب
كانت مراحل تربية العرب لأبنائهم متعددة ومُمنهجة، وقد نُقل عنهم أن أطفالهم قد تعلَّموا في المدارس والكتاتيب، ويُظن أنهم قد تعلموا أخبار الماضي عن أحوال العرب، فقد أُشير في القرآن عدة مرات إلى أن العرب كانوا يعرفون قصص السابقين وأخبار حروبهم، ولم تخلُ قبيلة من إخباريين ونسَّابين، وتعلَّموا الجغرافيا ومعلومات عن البلدان المحيطة بهم ومعلومات فلكية وطبية أيضًا، وكانوا يعلمون الأحوال الجوية والطبيعية لبلدهم، وتعلَّموا الطب والعقاقير والبيطرة، وتعلَّموا السحر والتمائم والرُّقِي ومن مشهوري أطبائهم لقمان وابن حزيم والعاص بن وائل السهمي وغيرهم، وألمُّوا بالأدب والشعر والنثر والريافة والكهانة والفراسة والعرافة، واطلعوا على اللغات الأجنبية مثل السريانية والكلدانية والفارسية والحبشية وغيرها، وقد ظهر ذلك في شعرهم ونثرهم وجاء بعضه في القرآن، ويُظن أنهم ثقفوا أبناءهم بها لتعليمهم التجارة والأديان الأخرى مثل النصرانية، وكل هذا يدل على مدى ثقافة العرب في الجاهلية وإطلاعهم حتى جاء الإسلام وأنار ظُلمتهم ونشر بينهم الدين الصحيح وهذَّب خُلقهم وطوَّرهم ووحد بين عروبتهم وقوميتهم.
حين جاء الإسلام توحَّد القوم حول الدعوة إلى الله كما قال الله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾، وبفضل الله عليهم أصبحوا أمة واحدة فتبدَّلت نفس العربي إلى نفس أخرى تبذل للدعوة إلى الله بالنفس والمال والكلمة فترتَّب عليه تربية جيل نشأ على هذه المبادئ المتحرِّرة المسلمة، والنبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه اهتمَّ بتربية الأطفال ورعايتهم والاهتمام بهم نفسيًّا وبدنيًّا، وقد ظهر لنا هذا في موقفه مع النُّغير ومع أحفاده الحسن والحسين، وغيرها من المواقف التربوية الصحيحة.
وحين وصل الإسلام إلى خارج الجزيرة العربية وفتح المسلمون بلاد الشام والعراق وآسيا الصغرى ومصر وشمالي أفريقيا وغربي الأندلس، وامتد حتى غرب الصين وتبقَّى قليل من المدن، تكوَّنت إمبراطورية إسلامية كبيرة عظيمة الأثر في العلم والحضارة والثقافة واللغة، وخضعت لها باقي الشعوب إلا قليل ممن يكرهون العرب مثل اليهود والملاحدة، وهكذا ازدهر عصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الأمويون ويسَّروا الطريق للعباسيين بعدهم.
الفكرة من كتاب التربية والتعليم في الإسلام
امتدَّت الحضارة العربية الإسلامية وشملت غالب الجوانب لتأسيس حضارة عظيمة ظاهريًّا وباطنيًّا، وقامت على طابعين أساسيين؛ اللغة والدين، لذا كان لها المزيج العربي الإسلامي، وتميَّزت الحضارة العربية بأنها جمعت أزمنة متعدِّدة لعدة دول مختلفة الهويَّات والأجناس، وفي هذا الكتاب يأخذنا الكاتب محمد طلس في رحلة مشوِّقة حول الحضارة العربية الإسلامية، وبشكل خاص حول التربية والتعليم في هذه الحضارة وعوامل قيامها وأهدافها ردًّا على الزاعمين بعدم وجود أساس علمي تربوي في الحضارة العربية الإسلامية، وأنه لا أصل لوجود علماء مسلمين عرب وضعوا أسسًا للعلوم والطب والهندسة، وغيرها.
مؤلف كتاب التربية والتعليم في الإسلام
محمد أسعد طلس: هو كاتب ومفكر وأديب وسياسي سوري معروف من أهل حلب، وقد حصل على ليسانس آداب لغة عربية ثم الماجستير في بحثه عن يوسف بن عبد الهادي، ثم حصل على الدكتوراه بإشراف من الأستاذين طه حسين وإبراهيم مصطفى، وكان من كبار موظفي وزارة الخارجية في سوريا خلال خمسينيات القرن العشرين، مثَّل بلدهِ سوريا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكان مستشارًا لهيئة الأمم المتحدة في اليونان، ولهُ مؤلفات تاريخية وأدبية عديدة منها: “تاريخ الأمة العربية”، و”الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب”، و”تسهيل الإملاء بالطريقة الاستنباطية”، و”مصر والشام في الغابر والحاضر”.