أصول علم الوراثة
أصول علم الوراثة
تعود محاولات تفسير علم الوراثة ووسيلة انتقال الصفات الوراثية في الكائنات الحية إلى الماضي البعيد، إذ اعتقد فيثاغورس أن الصفات الوراثية التي يحملها الجنين مصدرها الأب بينما يتولى رحم الأم مسؤولية التغذية فقط، ولكن هذا التصور لم يوافق المشاهدة وفقًا للفيلسوف أرسطو الذي لاحظ استمرارًا لصفات الأمهات والجدات في الأطفال ما يعني أن الصفات الموروثة تعدُّ خليطًا من صفات الأب والأم معًا، واقترح أرسطو أن الولادة تتم عن طريق مجموعة من التعليمات التي تشكِّل المادة الحيوية في صورة جنين مكتمل، وهكذا ظل الأمر متروكًا للنظريات ولم يتم التوصُّل إلى حقائق علمية متماسكة في هذا الشأن، حتى أن داروين تعثَّر في البحث عن إجابة لسؤاله عن كيفية انتقال المعلومات الحيوية عبر آلاف الأجيال نتيجة عدم وجود معرفة كافية بآلية وشروط انتقال هذه المعلومات عبر الجيل الواحد، ذلك لأن نظرية داروين عن الانتخاب الطبيعي تكوَّنت بشكل أساسي من جزئين: الأول أن الطبيعة بإمكانها أن تنتج أفرادًا يحملون صفاتٍ متباينة عن أغلب النوع وهو ما يُسمَّى بالطفرات، والجزء الثاني أن هذه الطفرات يمكن أن تنتقل بصورة سليمة إلى الأجيال القادمة عندما تزداد أعداد النوع وينشأ صراع على الموارد يؤدي إلى نجاة الأفراد الأصلح والأكثر ملاءمة للطبيعة دون غيرهم، ما يُحَتِّم أن تكون عملية الوراثة تسمح بالاستقرار والتغيير في نفس الوقت، فلا يمكن تفسير التطور من خلال الاختلاط العشوائي للصفات الوراثية عبر الأجيال لأن الطفرات لا يمكنها الصمود أمام الصفات السائدة (قم بخلط أي لون باللون الأسود وسيظل كما هو)، وبالتالي ستختفي جيلًا بعد جيلًا ولا يمكن توارثها.
وفي نفس الوقت الذي كان داروين يبحث فيه عن تفسير، كان هناك عالم آخر يُدعَى “مندل” يقوم بتجاربه الخاصة على نبات البازلاء منتجًا عشرات الآلاف من النباتات التي تحمل صفاتٍ وراثية اختارها بعناية بحيث يمكن تتبُّعها عبر الأجيال وتدوينها، وبهذه التجارب المثمرة توصَّل مندل إلى مبادئ علم الوراثة ونشر واحدة من أهم الورقات البحثية في هذا المجال، موضِّحًا أن الصفات الوراثية هي وحدات منفصلة لا تُمْحَى عبر الأجيال، وأن هذه الصفات تنتقل عند التزاوج بشكل فردي، وهي تنقسم إلى نوعين: سائدة ومتنحِّية، فالصفات السائدة يتم توارثها دائمًا، أما الصفات المتنحِّية فتتطلَّب الاقتران بصفات متنحِّية أخرى، ويمكن أن تختفي الصفات المتنحية في جيل ثم تظهر في جيل لاحق، وهذه الاستنتاجات وعلى الرغم من اقتصارها على نبات البازلاء، فقد شكَّلت أول وصف علمي لمفهوم الجين بناءً على البحث والتجربة.
الفكرة من كتاب الجين: تاريخ حميم
في سبيلنا لفهم أي شيء، فإننا نقوم بتجزئته ودراسة الأجزاء بشكل دقيق، وطبيعة الأحياء لا تمثِّل أي استثناء لهذه القاعدة، فكما تمثِّل الذرة الوحدة الأساسية لعلم الكيمياء، فإن الجين يمثِّل وحدة البناء الأساسية لعلم الأحياء الحديث، وهو يوفِّر مجموعة من المبادئ التي تفسِّر طبيعة الحياة على المستوى الخلوي المحدود وكذلك المستوى التاريخي الواسع، ويسرد سيدهارتا السيرة الذاتية للجين كعضو جديد في تاريخ البشرية، لم يظهر منذ بعيد على الساحة العلمية ولا يزال خاضعًا للدراسة، إلا أن آثار معرفته تجاوزت الحدود الطبيعية للعلوم وصنعت أحداثًا اجتماعية وسياسية لا تُمحَى، وفي هذا الكتاب يشرح الكاتب الرحلة العلمية للجين من فكرة مجردة تحوَّلت بالبحث والتجربة إلى حقيقة علمية ذات خصائص دقيقة يمكنها أن تمتثل للدراسة والتعديل، موضحًا تأثيرها في الإنسان في جميع نواحي الحياة.
مؤلف كتاب الجين: تاريخ حميم
سيدهارتا موكرجي: هو عالم أحياء هندي أمريكي وباحث في مجال السرطانات، تتعلَّق أبحاثه بفسيولوجيا الخلايا السرطانية، والعلاج المناعي لسرطانات الدم، واكتشاف الخلايا الجذعية المكوَّنة للعظام والغضاريف في الهيكل العظمي للفقاريات، وقد درس سيدهارتا علم الأحياء بجامعة ستانفورد، وحصل على دكتوراه في الطب من جامعة هارفارد، كما أنه كاتب عمود في مجلة النيويورك تايمز ومؤلف كتاب “إمبراطور الأمراض: سيرة ذاتية للسرطان” الصادر سنة 2010، الذي فاز بجوائز أدبية بارزة، ويهدف سيدهارتا من خلال كتاباته إلى مشاركة الطبيعة المميزة لعلم الأحياء وتاريخه المليء بالأحداث مع القراء.
معلومات عن المترجِم:
إيهاب عبد الحميد: كاتب ومترجم مصري، تخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم أجرى دراسات حرة في مجال الترجمة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومن ترجماته: “عدَّاء الطائرة
الورقية”، و”ألف شمس ساطعة”، و”الإنفلونزا العظمى”.