أصول الحوار
أصول الحوار
لكي تبني حوارًا قويًّا أمينًا، فعليك أن تحمل من الأمانة والعلم والثقة بالنفس والتواضع مهما كان مقام علمك، فقد قال عمر بن عبد العزيز: “من قال لا أدري فقد أحرز نصف العلم؛ لأن الذي له على نفسه هذه القوة فقد دلنا على جودة التثبت وكثرة الطلب وقوة المنة”، وهذا يُحمل المحاور ألا يخجل إذا سُئل عن أمر لا يعلمه أن يقول لا أعلم بدلًا من أن يُوقع نفسه في فتنة التباهي بالعلم، وينقل إلى غيره جهلًا وتكبُّرًا على العلم، لذا في حوارك عليك إيضاح المجهول والسؤال عما لا تعلم، فقد سُئل الإمام مالك عن ثمانٍ وأربعين مسألة، فأجاب على اثنتين وثلاثين منها: لا أعلم.
وبناءً على ذلك لا تحاور إلا فيما تعلمه وتملك فيه من العلم ما يكفي حوارك كي لا تقع في حرج، وتجتهد في عرض فكرتك بصواب وطريقة جيدة، ولا تتطرَّق إلى ما تجهله في حوارك أبدًا، فقد قال سيدنا علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): “لا تقل ما لا تعلم، وإن قلَّ ما تعلم”، وأن تتأكد من صحة أدلتك وكلامك قبل أن تتحدث به، وتملك ما يكفي من طرق التفكير المنطقي والتحليلي، وأن تكون على علم تام أن لو غاية الإنسان التباهي والتكبر بالعلم فلا علم له وهو ساقط في جهل وفتنة.
وأيضًا حين تدخل في نقاش وتكون أنت المحاور فلا بد أنك ستستدل بكلام منقول لغيرك أو نصوص من القرآن أو السُّنة، عليك حينها أن تكون أمينًا بما يكفي فيما تحمله من القول، فعلى النقيض لن تكون إلا كاذبًا مخادعًا، إذا اقتطعت من كلام منقول لتثبت وجهة نظرك فهذا كذب، وإذا علم الآخر ستصبح شخصًا غير موثوق بالنسبة له وكاذبًا أيضًا، أو تنسب إلى نفسك كلام غيرك، أو تهوِّل من ردة فعلك على أمر يُقال لك، في كل الأحوال أمانة الحديث من أمانة المجلس ومن أمانة المُحاور نفسه.
الفكرة من كتاب كيف تحاور؟
تعتمد طُرق تواصلنا مع الآخرين على الحوار، ولأن الإنسان خُلِق بالفطرة يريد التحدث ويريد من يستمع له، والله (عز وجل) لم يخلق الإنسان عبثًا، فرسَّخ في فطرته وأنزل بمنهجيته النبوية ماهية الحوار وطُرقه، لذا كان التحاور موضوعًا شائكًا يجب التطرُّق إليه بموضوعية والاطلاع على مميزاته وعيوبه، ومفهوم الحوار ذاته، إضافةً إلى آداب الحوار في الإسلام، وهو فن يجب على الإنسان معرفته وفهمه، وبخاصةٍ مسؤولي التحاور مثل المذيعين والدُعاة وغيرهم ممن يملكون مناقشات حوارية، وأيضًا تعلم آداب الحوار وفهمه يُخرج الإنسان من شاكلة الغرق بينه وبين الجدال والمناقشة لكي يصل به في النهاية إلى حوار لبق مقبول يُفهم منه حديثه ويفهم فيه الطرف الآخر في إيجاز وبيان.
مؤلف كتاب كيف تحاور؟
الدكتور طارق بن علي الحبيب: طبيب نفسي سعودي، ولد في محافظة عنيزة في منطقة القصيم، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الملك سعود، ثم واصل دراساته العليا في الطب النفسي في أيرلندا وبريطانيا، وتتركز اهتماماته العلمية في علاج الاضطرابات الوجدانية وفي مهارات التعامل مع الضغوط النفسية وفي علاقة الدين بالصحة النفسية.
وهو بروفيسور، واستشاري الطب النفسي، والمشرف العام على مراكز “مطمئنة” الطبية، وبروفيسور واستشاري الطب النفسي في كلية الطب والمستشفيات الجامعية في جامعة الملك سعود في الرياض، ومستشار الطب النفسي للهيئة الصحية في إمارة أبوظبي.
وله كتب عديدة منها:
التربية الدينية في المجتمع السعودي.
الفصام.
مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي.
العلاج النفسي والعلاج بالقرآن.
الطب النفسي المبسَّط.
علمتني أمي.
نحو نفس مطمئنة واثقة.