أصول الاستبداد وتفكيكه
أصول الاستبداد وتفكيكه
إن أسس الاستبداد تقوم على سبعة أصول، وهي: توظيف نصوص طاعة “أولي الأمر” في القرآن، ونصوص الطاعة والصبر والإمارة والنصيحة في السنة النبويَّة، والتأصيل العقدي في طاعة المتغلِّب، كما تم توظيف الإجماع في شرعية التغلب، وأعيد تركيب المصطلحات الشرعية كمصطلح البيعة، وأهل الحل والعقد والشورى والفتنة والخروج، لتُستثمر القواعد الفقهية في بقاء المستبد الجائر، وترديد أقوال السلف ومقولات الفقه المُسيَّس، مع الترهيب من جبر الحاكم على العدل، والتطمين بأن ظلمه أهون، فإذا انتهك الحاكم حقك فلا يجوز الدفاع عن نفسك، بل الواجب عليك الصبر.
لكن بالنظر إلى الآيات والأحاديث وأقوال السلف والبحث عن مقاصدها الحقيقية نجد خلاف ما يُدعى إليه، ففي قوله تعالى ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ نجد أن المقصود بولي الأمر هم الأمراء والعلماء وفقًا لتفسير الصحابة (رضوان الله عليهم)، إلا أن الصحابة لم يعرفوا إلا سنن الخلافة الراشدة وسنن الشورى والعدل، والتصدي للحاكم الجائر على سلطة يكون فيها الحكم للأمة، فهم من حاربوا سلطة الروم والفُرس لتخليص الهوان والذل، فهم خير القرون، وخير القرون لم تظهر فيه معالم الاستبداد الذي يرهن الفرد للدولة، ولم يكن طبيعة الحكم طبيعة التفرُّد والشمول، فمن أنزل كلام الصحابة على واقع الدولة الشمولية المعاصرة، دولة تتحكَّم في تفاصيل الحياة وأنفاس الخلق، فإنزاله لا يستقيم، فقد كان أبو هريرة (رضي الله عنه) يستعيذ من إمارة الصبيان، وفسَّرها في قوله “إن أطعتموهم هلكتم أي في دينكم، وإن عصيتموهم أهلكوكم”.
أما في الصبر على الإمارة وطاعة ولي الأمر الظالم ما لم يمنع الصلاة، فقد استعملت تلك النصوص كأصل سياسي في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وليس كاستثناء، فتم تأبيد معناها وكأن الحالة الطبيعية للحكم في بلاد المسلمين هو الظلم والتحكم والانفراد بالسلطة، وليست الشورى وإقامة العدل.
الفكرة من كتاب تفكيك الاستبداد
كيف قامت الخلافة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)؟ وما منزلة مبدأ الشورى في الإسلام، وما صلاحيات الحاكم على المُسلمين، وكيف تنصح الأُمَّة حُكَّامها؟ من خلال هذا الكتاب يسعى الكاتب إلى تصدي المُلك الجبري، وتفكيك تأصيلاته المنسوبة للشرع، وذلك عن طريق تفكيك مشروعية الاستبداد والفقه المُسيَّس، وتوضيح آثار ذلك على الشرعية والأمة.
مؤلف كتاب تفكيك الاستبداد
محمد العبد الكريم: أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، شارك في تدريس مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية لطلاب الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء، كما شغل منصب مستشار بهيئة حقوق الإنسان سابقًا، شارك بعدَّة مقالات في جريدة “المحايد” و”الإسلام اليوم” ومجلة “العصر”، ومن مؤلفاته: “صحوة التوحيد: دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي” و”الاحتساب المدني: دراسة في البناء المقاصدي للاحتساب”.