أصناف الأمراء وطرائق غزوهم
أصناف الأمراء وطرائق غزوهم
أما أنواع الأمراء فهم صنفان أحدهما له حاشية على وفاق معه ويعترفون له بالفضل ويشهدون له بالنعمة، أما الآخر فله شركاء متشاكسون ينازعونه الأمر ولا يعترفون له بفضلٍ ولا بمنَّة، فأما الأول فلا شك أن حكمه أبقى وسلطانه أمضى، فالرعية إنما يقصرون إخلاصهم عليه، بخلاف الثاني فلا يستتب له حكم ولا تتوحَّد عليه الرعية فلكلٍّ من حاشيته نصيبه منها.
غير أن قوة الأمير تُقاس بقدر قوته على إعداد جيش كافٍ لمواجهة الخطر، وإنما يحتاج إلى حماية غيره إذا لم يستطع مواجهة عدوه واكتفى بالتحصن وراء حصونه يدفع عدوه ولا يستطيع التخلي عنها والنزول لمهاجمته، ولذلك عليه أن يهتم بتحصين مدينته ويجمع فيها من السلاح والمؤن ما يكفيه لو طال الحصار، كما يلزمه أن يتألَّف من حوله ويتودَّد إليهم، عندها يستطيع المقاومة ولا ينال منه العدو، وعليه أن يتلمَّس حماس رعيته ويحافظ عليه حتى لا يدبَّ الوهن في قلوبهم فيجد العدو إلى اقتحام مدينته سبيلًا.
وعلى ذلك فغزو الأمير الذي على وفاق مع رعيته هو من الصعوبة بمكان لشدة إخلاص جنده له، فيتطلَّب الأمر زيادة العدة والعتاد وفتحها بالقوة الغاشمة، فإذا تيسَّر الفتح عليه أن يتخلَّص من الأسرة الحاكمة ويجتثُّ جذورها في أقرب وقت، فهي مصدر خطره الوحيد، حينئذٍ تصبح سياسة الرعية من السهولة بمكان لأنهم لا حول لهم ولا قوة ولا يُخشى من جانبهم في شيء، في حين نجد أن غزو الأمير الذي له شركاء متشاكسون سهل نسبيًّا، إذ يكفي المحتل أن يحصل على أمان أحد الشركاء فقط فيكون فتحه للمملكة أسهل، ولكن سياسة الرعية بعد ذلك لن تكون هيِّنة، فهو لا يأمن غدر الحاشية أو من أعطوه الأمان، لذلك فالأمر لا يخلو من قلاقل.
الفكرة من كتاب الأمير
“هذا السِّفر على وَجازته هو بحق إنجيل السياسة المعاصرة”.
تأتي أهمية كتاب الأمير من كونه أساسًا لفكر سياسي جديد، فهو يستقرئ طبائع الشعوب والحُكام وكيفية تكوُّن الممالك والإمارات، ويصف الطريق المعبَّد للسيطرة على الشعوب، كما يضع الحلول لما قد يعترض الأمير من عقبات في أثناء فرض حكمه على رعيِّته، وهذه هي سياسة الميكافيلية التي اشتهرت فيما بعد بمبدأ “الغاية تبرِّر الوسيلة”.
مؤلف كتاب الأمير
نيقولا مكيافيلي Niccolò Machiavelli: فيلسوف وسياسي إيطالي، وُلِدَ في فلورنسا عام ١٤٩٦م لأسرة نبيلة، لم يتلقَّ تعليمًا عاليًا ولكنه تثقَّف بقراءة الكتب الإغريقية والرومانية كما كان يفعل أبناء طبقته في ذلك العصر، عمِل بالسلك الدبلوماسي لجمهورية فلورنسا لأربعة عشر عامًا، ثم عُزِل وسُجِن ثم نُفيَ إلى الريف، وفي منفاه انعزل عن الحياة السياسية، تُوفِّي «مكيافيلِّي» بعدما داهمه المرض بعد أيام من عودته إلى فلورنسا عام ١٥٢٧م.
ويُعدُّ فكر «مكيافيلِّي» أحد أهم أعمدة عصر التنوير الأوروبي، وقد ترك ما يقارب الثلاثين كتابًا، ظل كتاب «الأمير» أشهرها على الإطلاق.