أصلان أولان.. الوحي والعلم الشرعي
أصلان أولان.. الوحي والعلم الشرعي
بعدما تناول الشيخ (رحمه الله) تعريف العالم والعالِمية وأركانهما، شرع في بيان الأصول الأربعة للعالِمية، وهي نصوص الوحي والعلوم الشرعية وعلوم اللسان العربي وفقه الواقع.
أما نصوص الوحي (القرآن والسنة) فلا بدَّ من صنفين من النظر فيهما، فيما يخص القرآن، فالنظر الأول هو النظر العام من الحفظ المتقن ودوام التلاوة لينال طالب العالِمية البصيرة والبركة، والصنف الثاني من النظر يكمن في الدراسة المتخصِّصة لآيات الأحكام، ومناهج استنباط فقهها والفوائد العلمية منها، وما يقتضي لذلك من علوم اللغة والأصول وقواعد الاستدلال، أما السُّنة فلها أيضًا نظر عام وخاص؛ العام في مداومة القراءة والنظر في كتبها، والخاص يكمن في دراسة أحاديث الأحكام وفقهها، وما يلزم لذلك من قواعد وعلوم وأدوات.
والأصل الثاني هو العلوم الشرعية؛ على ثلاثة أصناف: علوم القرآن والسنة وعلم الفقه وأصوله وعلم التوحيد والتزكية، فعلوم القرآن نشأت لخدمة القرآن الكريم، وتيسير فهمه بشكل مجمل، وقد اعتنى علماء المسلمين بهذا أشد الاعتناء، في مؤلفات كالإتقان للسيوطي، والبرهان للزركشي، وكذلك كتب معاني القرآن وكتب التفسير، فطالب العالِمية لا بدَّ له من الإحاطة بمجمل مقاصد القرآن، أما علوم السنة فيُقصد بها العلوم التي نشأت لخدمة السنة النبوية رواية ودراية، فيهتم طالب العالمية بمعرفة الصحيح من الضعيف، وأدوات النقد الحديثية سواء كان النقد في المتن أو السند، وأقل ما يلزم هو ضبط قواعد ومصطلحات علوم الحديث.
وعلم الفقه وأصوله (الصنف الثاني من العلوم الشرعية)، يرى المؤلف أنه لا يمكن فصل الفقه عن الأصول، ويستعين بما ذكره الوليد الباجي في وصيته بأن يقرأ الطالب في أصول الفقه، ثم يقرأ كلام الفقهاء، ويقوي الملكة والدربة على طرق النظر والاستدلال، فالفقه والأصول وجهان لعملة واحدة، وقد تسبَّب الفصل بينهما في إفساد العلم، فظهر من يُسمَّى فقيهًا ولا دراية له بالأصول، وظهر من يشتغل بعلم الأصول معزولًا عن الفقه، فأفنوا أوقاتهم في خوض نظري دون تطبيق عملي.
أما الصنف الثالث من العلوم الشرعية فهو علم التوحيد والتزكية، وهو الغاية من التكوين العلمي وإليه المنتهى، وإغفاله أو إهماله يؤدي إلى فقدان الهدف الأسمى، وأخطر ما يواجهه الناس اليوم إغفال التوحيد باعتباره تزكية للنفس وليس بمقولات كلامية فقط، فقد قسم العلماء التوحيد إلى توحيد معرفة وإثبات لله، وتوحيد قصد وعبادة.
الفكرة من كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
يعد هذا الكتاب دراسة تحليلية في مفهوم العلم وصفة العالمية وظيفةً وبرنامجًا من خلال وصية علمية منهجية تربوية وضعها الإمام أبو الوليد الباجي المالكي المُتوفَّى في القرن الخامس الهجري لأبنائه، ويأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب الأنصاري الدعوية التي حملت عنوان “من القرآن إلى العمران”، ويستهدف من خلال كتابه هذا بيان حقيقة صفة “العالم” بمعناها الشرعي، وقد عمل الأنصاري على دراسة وصية الباجي وشرحها وتوضيحها لبيان ما يلزم الطالب ليكون عالمًا بحق، ووضع برنامج تكويني في مجال العلوم الشرعية.
إن ما دعا الكاتب إلى تأليف هذا الكتاب أربعة أمور؛ أولها أن تجديد الدين يبدأ بتجديد العلم كما جاء في النصوص الشرعية المتواترة، فالعلم هو بدء كل شيء في الدين، وهو أساس كل حركة في الدعوة إليه تربية وتزكية، وثانيها موت عدد كبير من علماء الجيل الذي سبقه في المشرق والمغرب، والثالث انقطاع تدريس العلم الشرعي على وجهه الحقيقي، مما أدَّى إلى انقطاع تخرُّج أجيال بالمفهوم الأصيل للكلمة، فهو ينبِّه في هذه الرسالة إلى ما ينبغي فعله لتحقيق مفهوم “العالمية”، وآخر ما دعاه إلى تأليف تلك الرسالة انقضاض بعض أهل الأهواء والنوازع السياسية على وظيفة العَالِمية والتلبُّس بها بغير وجه حق.
مؤلف كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
فريد الأنصاري: أديب وعالم دين مغربي ولد عام 1969، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة الحسن الثاني، المحمدية (المغرب)، وهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا (نظام تكوين المكونين)، والماجستير في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، وحاصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله، وتُوفِّي في نوفمبر 2009.
من أشهر مؤلَّفاته: “مجالس القرآن”، و”جمالية الدين”، و”أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، و”قناديل الصلاة”، و”بلاغ الرسالة القرآنية”.