أصالة التربية في العصر النبوي والراشدي
أصالة التربية في العصر النبوي والراشدي
يُعدُّ العصر النبوي والراشدي العصرين المؤسسين للتربية الإسلامية، إذ انطلقت الحضارة الإسلامية كلها من الأصول التربوية التي وضعها النبي (صلى الله عليه وسلم) والقرآن الكريم، والتي ابتكرها صحابته، فحرص النبي (صلى الله عليه وسلم) على إنشاء الجيل النموذج، الذي تتبعه الأمم من بعده، وعلى الرغم من عدم امتلاك هذا المجتمع للمقومات المادية، فإنه غرس في أطفاله روحًا جديدة، لم يعهدوها من قبل، لينطلق هؤلاء الصغار في الحياة، حاملين مهمة بناء الحضارة الإسلامية.
فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) خير قدوة للناس في كل شيء، بما في ذلك التربية والتقويم، وكان أساس نهجه التربوي الرحمة والرفق، إذ كانت شهادة غلامه أنس الذي عاشره عشر سنين مُتصلة بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان أرحم الناس بالصبيان، وكان يحرص دائمًا على إظهار هذه الرحمة، ومن رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يأخذ للصبيان والفتيات حقوقهم، ويقتص لهم ممن آذوهم، والحق أن هذه الرحمة النبوية كانت رحمة ربانية في منطلقها ومبتداها، وبالرحمة بدأ النبي تربية الصغار على الإيمان بالله أولًا وقبل أي شيء، هذا الإيمان الذي كان مفتقدًا منذ أعوام قليلة بين هؤلاء القوم، الذين رُبُّوا على حب اللات والعزى، وغيرهما.
وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) ينتظر حتى يصل الولد إلى مرحلة الإفصاح والفهم ويُسرع في بنائه إيمانيًّا، فعن التابعي عمرو بن شعيب يقول: “كان الغلام إذا أفصح من بني عبدالمطلب علَّمه النبي (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية سبع مرَّات؛ وهي قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾، وحرص على تعليمهم الصلاة من وقت قدرتهم على التفريق بين يمينهم ويسارهم؛ إذ كان يُرتب بنفسه ويخصِّص أماكن للصبيان في المسجد، ومن ثم أشرك صحابته غلمانهم معهم في أداء فريضة الحج، وأيقن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته من بعده أن إحدى دعائم النهضة في الأمة المسلمة هي العلم؛ فحرصوا على تربية صبيانهم على طلبه، وأول الأمور التي حرص النبي على تعليمها لأبناء الأمة أيضًا تعلُّم وحفظ القرآن الكريم، وبدأ العهد الراشدي بالتشديد على طلب العلم، إذ كان هناك ثلاثة معلمين بالمدينة يعلِّمون الصبيان، وكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يكافئهم على ذلك .
الفكرة من كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
هذه رحلة في تاريخ التربية الإسلامية حيث يبدأ الكتاب بسرد هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين في تربية وتعليم الأطفال ليتدرَّج بعد ذلك إلى مراحل التربية في الحضارة الإسلامية من أموية وعباسية ومملوكية، ثم في المغرب والأندلس، ليوضِّح هذا الجانب المهم من جوانب الحضارة الإسلامية، بل الداعم الأساسي الذي قامت عليه النهضة الإسلامية، وكل ذلك يؤكد أن التقدم الحضاري والمعرفي لهذه الأمة كان وفق مشروع تربوي عظيم أسهم بصورة موازية للمشاريع الحضارية الأخرى في الارتقاء والازدهار والتقدم الإسلامي.
مؤلف كتاب كيف ربَّى المسلمون أبناءَهم.. رحلة في تاريخ التربية الإسلامية
محمد شعبان أيوب: باحث في التاريخ والتراث والحضارة الإسلامية، مؤلف وكاتب صحفي، وعمل بمركز الحضارة للدراسات التاريخية، وله العديد من المؤلفات، منها:
رحلة الخلافة العباسية.
دولة المماليك.
بيري ريس أمير الحرب والبحر.