أشياء تؤثر في ذاكرتك
أشياء تؤثر في ذاكرتك
واحد من الأشياء التي تؤثر في الذاكرة هو التعبير اللفظي، ففي كل مرة تُحول المعلومات التي تستقبلها الحواس إلى كلمات، يبقى هناك احتمال بتعرض هذه المعلومات لتغيير قلّ أم كثر، وتُعرف تلك العملية باسم “التعتيم اللفظي”، وهو مصطلح وضعه عالم النفس جُونَاثَان سكُولَر. ولعلك لاحظت التعتيم اللفظي يومًا وأنت تحاول التعبير عن شيء ما، ولكن الكلمات تقف عاجزة! ولا تتأثر بكلماتنا وحدها، ولكن تتأثر أيضًا بكلمات الآخرين، فعند سماع روايات الآخرين وطريقة توصيفهم للأشياء تبدأ ذاكرتنا في تبني رواياتهم وتدمجها مع رواياتنا الخاصة فتغير منها وتعيد تأطيرها.
وتتأثر ذاكرتنا أيضًا بالصور، فعندما توثق ذكرياتك بالتقاط الصور تصبح كأنك تصنع ذكريات موازية، فقد تتداخل المشاعر الحقيقية والمشاعر التي تظهر في الصورة، وقد تسترجع من وراء الصور ما لم تعايشه في الواقع.
وتُعد العواطف مما تتأثر به الذاكرة أيضًا، فهناك ذكريات تحضر بكل تفاصيلها كأنها أمام أعيننا وذكريات أخرى تحضر كأنها ضباب، ويرجع الفرق بين قوة هذه وتلك إلى القدر الذي تحمله من العاطفة والمفاجأة والتأثير في حياتنا، وكلما كانت الذكريات مشحونة بالشعور والعاطفة، أصبحت أكثر ثبوتًا ووضوحًا مهما مر عليها الزمن.
وأكثر ما يؤثر في ذاكرتنا حاليًّا هو وسائل التواصل الاجتماعي، فإن جئنا في نهاية اليوم وأردنا نشر شيء عما مررنا به، فأي شيء سننشر؟ إننا نفكر في ما يجعلنا أكثر إثارة للاهتمام والإعجاب، فننظر إلى كل أحداث اليوم ونعيد ترتيبها حسب هذا المبدأ، وعملية إعادة الترتيب في ذاتها تغيير للذاكرة فقد، تُنسى أحداث مهمة وتبرز أحداث تافهة بسبب السعي وراء الحصول على الإعجاب والاهتمام الذي تفرضه علينا وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يتوقف التأثير عند هذا الحد، ولكنه يمتد إلى قدرتنا على التركيز والتعلم، فبسبب اقتحام الهاتف لكل لحظات حياتنا أصبحنا مذبذبين لا إلى الحضور في الواقع ولا إلى الاستفادة بشيء مما نشاهد، وبفقد التركيز والتعلم والمعالجة الجيدة للأحداث التي نمر بها تُفقد ذاكرتنا وتُسلب قدرتها على الاحتفاظ بالأحداث ولا يبقى لها سوى الفتات من كل شيء. وكذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي مَحَتِ الحد الفاصل بين الذاكرة العامة والذاكرة الخاصة، فالجميع أصبح لديه الذاكرة نفسها بالروايات نفسها.
الفكرة من كتاب الذاكرة درة تاج الصحة: التذكر والنسيان وعلم الذاكرة الزائفة
يأخذك هذا الكتاب في رحلة استكشافية إلى أعماق ذاكرتك، ستطرق باب بيت الذاكرة وتدخله لترى كيف تتذكر أو تنسى، وتتعرف على ضروريات تحتاج إليها الذاكرة، وتلقي نظرة على ذكريات الطفولة، ولن تنتهي الرحلة حتى تدرك ما تتعرض له الذاكرة من مؤثرات قد تذهب بها بعيدًا إلى ركن الأوهام، فاربط الأحزمة واستعد جيدًا لانطلاق الرحلة وشاهد الذاكرة كما لم ترها من قبل!
مؤلف كتاب الذاكرة درة تاج الصحة: التذكر والنسيان وعلم الذاكرة الزائفة
جوليا شو : كاتبة وعالمة نفس، حاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس، متخصصة في علوم الذاكرة وعلم النفس الجنائي، وخبيرة في القضايا القانونية.
من مؤلفاتها:
Evil: The Science Behind Humanity’s Dark Side
Bi: The Hidden Culture, History, and Science of Bisexuality