أشكال العنف المختلفة
أشكال العنف المختلفة
لفهم سلوك من سلوكيات العقل اللاواعي مثل العنف يجب أولًا فهم آلياته جيدًا، لأنها ستساعدنا على فهم مبادئه وآثاره النهائية، وينقسم العنف إلى ثلاثة أشكال أساسية: النوع الأول هو العنف اللعوب، وهو النابع من التسلية ومشاعر الكراهية الطبيعية، ويتمثَّل في الرياضات التنافسية والقتالية التي لا تسعى إلى قتل أحد أو تدمير شيء، بل إلى غالب ومغلوب، والنوع الثاني هو العنف الارتكاسي، وهو نابع من شعور الخوف بالأساس؛ الخوف الناتج عن خسارة الحرية أو الكرامة أو الملكية وغيرها، والمرتبط بغريزة أصيلة وهي الرغبة بالبقاء، ويستغل الزعماء هذه الصورة في الحروب بشكل كبير لتحفيز شعبهم عن طريق توصيف العدو بالمهاجم وإقناعهم بلعب دور المدافع في الحرب لشحنهم وقيادتهم للتضحية.
وهناك صورتان من العنف الارتكاسي، وهما العنف الإحباطي والعنف الانتقامي، واللذان يُتخذان كرد فعل على الأوضاع المحيطة المولِّدة شعورَي الخسارة واليأس، ويرميان دائمًا إلى محاولة خائبة لاسترداد فقدان القيمة عبر إيقاع التدمير بشخص ما أو شيء ما.
كما يعتبر فقدان الإيمان سببًا جوهريًّا للدفع بخيار العنف إلى الأفق كخيار متاح، سواء كان الإيمان بصورة معينة عن الإله أو قيم مجتمعية أو حتى أشخاص ومثل عليا وضعية، ويترك فقدان الإيمان البشر بين مفترق طريقين هما الاستقلالية والتدميرية، فهل تزيد تلك الصدمة من قدرة الفرد على التحلي بالاستقلالية والاعتماد على نفسه وعقله وتخفيف توقعاته وحدود إيمانه، أم تقوده إلى التدمير كرد فعل تعويضي، أو إلى المزيد من الخضوع؟
وأخيرًا الصورة الثالثة -والأكثر سوءًا- هي العنف التعويضي، وهو الذي ينبع من الشعور الكبير بسيطرة العجز واليأس السلبي، وكلما زاد ذلك الشعور المقيِّد للفرد زاد ميله إلى العنف الذي يسلب الحياة من محيطه، ويدفعه إلى تدمير الأشياء وليس فقط إلحاق الأذى بها كالصور الأخرى، أو الدفاع عن البقاء مثل الصورتين الأخريين.
الفكرة من كتاب جوهر الإنسان
ما جوهر الإنسان؟ لطالما أرَّق هذا السؤال كل من له إنتاج معرفي، وانشغلت به الأديان والمذاهب الفلسفية والفكرية على اختلافاتها، محاولة تقديم إجابات تفسِّر عددًا كبيرًا من أفعاله وسلوكياته: هل هو جزء من الطبيعة الحتمية، أم مخلوق متجاوز لها يصارع بين الخير والشر؟ وماذا عن رغبته الشديدة في ممارسة العنف والتدمير، هل هي متأصلة جذريًّا أم أنها رد فعل على وضع ما؟ وهل هناك عوامل تغذِّيه، وإن وجدت فكيف نتحكَّم فيها لنغيِّر ذلك الوضع؟
بمثل هذه التساؤلات وغيرها ومحاولة “إريك فروم” الإجابة عنها، نرى تحليله لبعض الظواهر الإنسانية والاجتماعية.
مؤلف كتاب جوهر الإنسان
إريك فروم: أحد أشهر علماء النفس والفلسفة والاجتماع، ولد في ألمانيا لعائلة يهودية وعانى كثيرًا في تنشئته، ونال الدكتوراه عام 1922م في علم الاجتماع، كما عمل في مصحة تحليل نفسي حيث قابل فريدة رايتشمان وتزوجها، ثم نزح إلى جنيف بعد وصول النازية إلى سدة الحكم، وبعدها ارتحل إلى أمريكا وعمل في جامعة نيويورك، وأسَّس معهد ويليا ألانسون وايت للطب النفسي.
ترتكز أفكار فروم على انتقاد كلا الجانبين الرأسمالي والشيوعي بسبب نزعهما الصفة الإنسانية من الإنسان في طريقة رؤيتهما إياه، وقد طرح رؤية بديلة أثناء مشاركته في الحزب الاشتراكي الأمريكي، كما نقد العديد من نظريات فرويد في التحليل النفسي رغم إعجابه الكبير به.
وتميَّز بأعماله التي تناقش الطبيعة الإنسانية في المجتمعات الصناعية الحديثة، ومنها: “المجتمع العاقل”، و”الهروب من الحرية”.
معلومات عن المترجم:
سلام خير بك: مترجم، وله العديد من الكتب المترجمة، من بينها: “حكمة التاو.. أصغ لجسدك”، لمؤلفيه: بيسونغ غاو، وأندرو بويل، و”عقل بلا حدود، تأليف: كريشنا مورتي، و”روح زن”، لآلان واتس، وغيرها.