أسواق المال
أسواق المال
أصبح القانون العام المتبع في أسواق المال اليوم وبخاصةٍ البورصات هو السياسات قصيرة المدى، فالكل يعتمد اليوم على سياسة الضربة الخاطفة بغية تحقيق الثراء السريع، وتجاهل القائمين على تنظيم أسواق المال بذلك التمييز بين الأنماط الاستثمارية المختلفة للمتعاملين، فصناديق التحوُّط مثلًا تحتاج إلى سيولة بصورة مستمرة، لذا تلجأ إلى الاستثمار في الأدوات قصيرة الأجل، بينما شركات التأمين تركِّز على الأجل المتوسط، في حين نرى أن صناديق المعاشات تلجأ إلى الأدوات طويلة المدى، لذلك على قواعد أسواق المال أن تأخذ في الاعتبار الاختلافات الجوهرية بين المخاطر المختلفة للسياسات الاستثمارية المتنوِّعة داخل السوق، فالمستثمر القصير المدى ربما من الأنسب له أن تتركَّز محفظته المالية في السندات وأذونات الخزانة قصيرة الأجل، أما المتوسط الأجل فيمكنه التنويع بإضافة بعض الأسهم ذات المخاطر الأعلى نسبيًّا مقارنة بالسندات، والمستثمر طويل الأجل يمكنه التركيز أكثر على الأسهم ذات العائد الأعلى.
وعلى ذلك يعدُّ التعامل بصورة جامدة مع الطبيعة المختلفة للمستثمرين من شأنه أن يؤدِّي إلى عدم الكفاءة في تخصيص الموارد، وزيادة الاختلالات في الأسواق بسبب سياسة المضاربات وفقد الحس الاستثماري طويل الأجل، وقد ينتقل هذا الاختلال بدوره إلى الاقتصاد الحقيقي الذي يتطلَّب وقتًا طويلًا للحصول على العائد الاستثماري مقارنةً بالمضاربات في الأسواق المالية، الأمر الذي يجعل البعض يتجه ناحية الاقتصاد النقدي فتتأثَّر بذلك المعدَّلات الاستثمارية في المستقبل بسبب نقص التمويل المتاح وتنخفض بذلك عوائد الادخار، مما يسبِّب تآكلًا في الأصول الإنتاجية الحقيقية في مقابل الارتفاع غير المبرَّر في الأصول المالية جرَّاء الفقاعات المنتشرة في أسواق المال، وعلى الجهة الأخرى لا بدَّ من إعادة النظر مرَّة أخرى في المعايير المحاسبية المتبعة لدى الشركات في إعداد ميزانياتها وقوائمها المالية، لا سيما بعد الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي كانت أحد أسبابها التلاعب في حسابات الشركات للتدليس على مركزها المالي الحقيقي وقيمتها السوقية.
الفكرة من كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
لم تسلم الرأسمالية منذ نشأتها على مدى تاريخها من النكبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ومما صعَّب الأمر بروز قضية العولمة التي ربطت اقتصادات العالم بعضها ببعض، فإذا سعلت دولة بالمشرق أصابت نظيرتها بالزكام في المغرب، وليس أدل على ذلك من الواقع المعاصر وجائحة كوفيد 19 التي ما لبثت أن ظهرت في الصين حتى أصابت العالم أجمع بالشلل.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، إذ يلقي الضوء على ظاهرة العولمة وما يرتبط بها من تحديات وأخطار مستترة قد تفضي على حسب رأي البعض إلى بدء العد التنازلي لانهيار الرأسمالية المعاصرة.
مؤلف كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
باتريك آرتو: أستاذ بكلية الهندسة، وأستاذ مشارك في جامعة باريس – بانتيون السوربون، ومدير البحوث الاقتصادية لمجموعة صندوق التوفير/الودائع، من مؤلفاته: نظرية النمو والتذبذبات، والأوضاع الشاذة في الأسواق المالية، والاقتصاد الجديد.
ماري بول فيرار: رئيسة تحرير مجلة أنجي ليزكو، من أعمالها: قصة أرباب العمل الكبار.