أسرع.. أعلى.. أقوى
أسرع.. أعلى.. أقوى
يستفيد الإنسان المكثف بعد ارتباطه بمحتوًى أخلاقي من كل شيء عدا الملل، وقد يهتم بهذا الملل لو كان مللًا قويًّا مكثفًا، يُستنتج من ذلك أن ضعيف الكثافة الحياتية ليس نقيض الإنسان المكثف، وإنما هو الضعيف بشكل ضعيف، أي المتوسط، وهو ما يطلق عليه الإنسان الفاتر.
الإنسان الفاتر هو من يفتقر إلى الكثافة في نواحي حياته، إنه التافه في كينونته، والتفاهة هي التوسط (Mediocrity)، وقد أُطلق على التجسد الاجتماعي لهذه التفاهة اسم البرجوازيّ، وهو الإنسان الرافض لفكرة تكثيف حواسه، الذي يعيش حياة مستقرة آمنة، ويميل إلى تجربة الشعور باعتدال، وهو نقيض الكثافة الأول بعد الكاهن والفيلسوف، وهو أيضًا أكبر مخاوف الإنسان المكثف، الذي أصبح مجبرًا على استنباط حيل تشعره بالحياة ليتجنب التحول إلى برجوازيّ.
أُولى الحيل هي أن ينوع، وتتمثل في تعريف الكثافة على أنها تنوع، تنوع دائم للشعور ينقل الإنسان من حالة إلى أخرى. الحيلة الثانية هي أن يسرع، لأن تنوع الكثافات غير كافٍ، فيجب أن تتزايد وتزداد قوة حتى لا تنتهي بالجمود، لأن ثبوت الشيء يعني تناقصه، ولا يمكن زيادته إلا بزيادة مضاعفة، إذ تؤدي الزيادة المنتظمة إلى الثبات، وكلما زاد الشيء يصير من الصعب زيادته أكثر فأكثر، ولذلك يلجأ الإنسان المكثف إلى الحيلة الأخيرة المعنية بالرجوع إلى التجربة الأقوى شعوريًّا التي هي التجربة الأولى، لأن التجربة الأولى في نظره هي التي تمنحه الشعور الكامل دون غيرها.
من الضروري ذكر أن هذه الحيل قد يعطل بعضها بعضًا، فمثلًا التنوع يعني التخلي عن تطوير الفكرة نفسها، يبدو أن مفهوم الكثافة متناقض الأبعاد، فكلما ازداد الناس في محاولاتهم لمضاعفة الكثافات وحمايتها قللوا منها دون أن يشعروا، فكيف يحدث الأمر؟
الفكرة من كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
يعيش الإنسان حياته باحثًا عن الحياة، عن لحظات كهربائية تنعشه وتجعله يصيح “هكذا هي الحياة!”، صار الإنسان المعاصر سريع الملل دائم الرغبة في أن يجرب كل الشعور، وأن يملك كل شيء، وأن يعيش، لا يعيش فقط، بل يعيش بعمق وتنوع وجنون، وأن يعيش بكثافة.
يناقش الكتاب الكثافة باعتبارها مفهومًا فلسفيًّا، ويبحث سبب وكيفية اعتماد الإنسان عليها كنموذج حياتي، ويتطرق إلى مصير الإنسان المحتوم!
مؤلف كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
تريستان غارسيا: فيلسوف وروائي فرنسي، عمل أستاذًا في جامعة أميان، ويعمل حاليًّا مدرسًا مساعدًا في قسم الفلسفة بجامعة ليون، نُشر له عديد من الأبحاث في مجال الميتافيزيقيات.
من أعماله:
Form and Object: A Treatise on Things.
Hate: A Romance.
معلومات عن المترجم:
صلاح بن عيّاد:كاتب ومترجم تونسي، نُشر له عديد من المؤلفات والترجمات، من أعماله:
عودة الورود.
ارتعاشات النحات.
من ترجماته:
“قوة معادية”، لجون أنطوان نو.
“كلاب الحراسة”، لبول نيزان.