أسباب الفتنة
أسباب الفتنة
كثير من الأسباب التي وردت لتلك الفتنة إما مزعومة ومغرضة، وإما غير متروِّية، منها ما كان في أمور الدين أو الدنيا وأمور الحكم والسياسة، أما الأسباب التي قيلت في أمور الدين فأنه زاد النداء في الأذان لصلاة الجمعة، وأتم الصلاة في منى وعرفة، وأنه جمع القرآن في نسخة واحدة وحرق كل ما سواها في بقية الأمصار، والحقيقة أنه كان في كل ذلك متحرِّيًا الصواب، فزيادة الأذان إنما كانت لزيادة عدد المسلمين واتساع الرقعة، وصلى صلاة المقيم إذ كان له أهل بمكة، وكان جمع القرآن من أجلِّ أعماله ومن أسباب حفظ القرآن ليومنا هذا، والمعترضون على تلك الأمور ما لبثوا أن حمدوها له وأقروه عليها.
وهناك خلط يحصل لدى الكثيرين بين التطور السياسي ومقتل عثمان فيعتبران أنهما حدث واحد وهما منفصلان تمامًا، ولم يكن مقتل عثمان أكثر من شغب الدهماء لم يجد من يوقفه.
ومما يحسب على عثمان توسعه في حقوق الإمامة وتوسعه في معيشة الغنى، والتوسع في اصطفاء ذوي القرابة وكان أكبر تقصيره في حق نفسه أن بالغ في السلم حتى قُتِل في بيته.
وقيل إن من الأسباب ترك عمر أمر الخلافة شورى بين ستة من الصحابة فيقال إنهم تنافسوها ووقع في قلب كل منهم أمل فيها، غير أن جميع الأسباب التي قيل إنها سبب الفتنة نجد أن لها سوابق مثلها فلم تقم فتنة، أو لواحق عليها ولم تسبب فتنة أيضًا، بل ربما كانت من دعائم الاستقرار، والسبب إنما كان اختلاف الظروف، وأنها كانت فترة انتقال بين الخلافة والمملكة فلم تُجدِ فيها أساليب الخلافة ولا أساليب المملكة!
الفكرة من كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
إن تاريخ العقيدة هو تاريخ قيم ومبادئ وليس تاريخ أحداث، فالأحداث ربما نجد ما يماثلها كثيرًا على مدى التاريخ، أما المختلف فهو بواعث تلك الأحداث، واللافت في سيرة عثمان (رضي الله عنه) أمرين؛ الأول أنها كانت مرحلة تحوُّل ما بين الخلافة الراشدة والملكية، والثاني هو قتله (رضي الله عنه) بوحشية بيد مسلمة لا دخيلة على الإسلام.
والخلاف ليس هو المستغرَب، إذ إن دور العقيدة ليس أن تبطل خلافًا أو تكفَّ نزاعًا، وإنما هي تترفَّع بالناس عن النزاع في ما لا يستحق، وليست هناك صدمة إن نحن نظرنا إلى الأمر من منظور القيم وأيقنَّا أن الحوادث لا بدَّ أن تقع، فهناك نزاع على محاسبة الإمام نفسه ورعيته ومحاسبة الرعية لإمامهم بعد زمن كان فيه زعماء القبائل يطغون ويتجبَّرون ويشرعون لأهوائهم ولا يكون فيه عزة أحدهم إلا بإذلال غيره.. يأخذنا العقاد عبر رحلة في سيرة عثمان (رضي الله عنه) الذي يصفه بأنه: “ذو النورين: نور اليقين ونور الأريحية والخلق الأمين”.
مؤلف كتاب ذو النورين عثمان بن عفان
عبَّاس محمود العقَّاد: أديب وشاعر وناقد أدبي، كما أنَّهُ فيلسوف وسياسي وصحفي، ومُؤرِّخ، ولد في مصر عام 1889م وتوفي عام 1964م، حاصل على الشهادة الابتدائية فقط، أحد مؤسسي مدرسة الديوان التي عُنيت بالنَّقد في العصر الحديث، كما أنشأ صالونًا أدبيًّا في بيته، كتب أكثر من ثمانين كتابًا بين الكتب الدينية الفكرية وكتب السير والكتب الأدبية والدواوين الشعرية، ومن أبرز مؤلفاته: سلسلة العبقريات، التفكير فريضة إسلامية، المرأة في القرآن، أفيون الشعوب، وديوان شعر “عابر سبيل”.