أزمنة غير مسبوقة
أزمنة غير مسبوقة
تعد الثورة الرقمية الحديثة اختبارًا صعبًا لمدى قدرة البشر على التكيف وفق أنماط الحياة الجديدة، لا سيما هذا الجيل الذي يشاهد وربما يشارك في هذا الصراع المحموم بين القوى الرجعية المحبة للوضع التقليدي الراهن وبين آليات المستقبل، ولعلَّ التقنيات الرقمية تختلف عن نظيرتها التقليدية في قدرتها على إعادة صياغتها للأفكار والمشاعر، ومن ثم قدرتها على تغيير نمط السلوك البشري.
ففي الوقت الذي كانت فيه منتجات الثورات الصناعية السابقة لا تعدو أن تكون مجرد وسائل لحياة أكثر رفاهية، نجد أن المنتجات التكنولوجية قد تصبح هدفًا في حد ذاتها وأسلوبًا للحياة قائمًا بذاته، فالإنترنت اليوم أصبح المدرسة والسوق ووسيلة التواصل واللقاء والعمل، ولذلك فهو يشبع العديد من الحاجات الإنسانية في وقت واحد، كما أنه لا يخضع لمبدأ الاستبعاد، أي إن استخدام أحدهم لن يؤثر أو يقلل من استخدام الآخر، مثل المنتجات التقليدية الأخرى.
كذلك من الاختلافات القائمة بين العالم القديم والمستقبل الحديث هي من يمسك دفة القيادة، ففي العالم القديم كان الإنسان هو الموجِّه والمنظِّم لعالمه الداخلي الخاص بخلاف العالم الرقمي حيث يصبح فيه البشر أسرى للتكنولوجيا ومنتجاتها، ولعل نظرة خاطفة على فترة الطفولة اليوم وبالأمس تظهر الفرق، فبالأمس كان الطفل لا يكف عن اللعب والتفاعل مع أقرانه وربما لا يعود إلى البيت إلا للطعام أو النوم فقط، أما اليوم فتجده ربما يجلس بالساعات لا يحرك ساكنًا أمام إحدى الآلات الرقمية الحديثة، وإذا أضفنا إلى هذا التخوف حقيقة سيطرة بعض الشركات العملاقة على العالم الرقمي الجديد ربما بذلك نكون على موعد جديد من عصر إقطاعيي العصور الوسطى ولكن في نسخته الرقمية، كل تلك التكهنات تثبت بجلاء أننا مقدمون على عصر غير مسبوق من الفرص والتهديدات.
الفكرة من كتاب تغيُّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
“إن الأجهزة والتقنيات الرقمية، كشأن الأطعمة، بعضها أشد ضررًا أو أكثر نفعًا من البعض الآخر، وعلى ذلك إذا أردنا أن نتجنَّب أضرارها ونجني فوائدها، فعلينا أن نفهم أولًا كيف تؤثِّر هذه الأجهزة في أدمغتنا”.
يعدُّ هذا الكتاب خطوةً على طريق استشراف المستقبل الرقمي وآثاره في البشر، فهو يرصد وقائع هذا الزمن غير المسبوق، ويلقي بالظلال على ميكانيزم عمل الدماغ البشرية، ومن ثم يوضح أثر وسائل التواصل الاجتماعي في الوجدان البشري، وكذلك يحلل الأثر الناتج عن الألعاب الإلكترونية على الدماغ البشري.
مؤلف كتاب تغيُّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا؟
سوزان أديل غرينفيلد (Susan Adele Greenfield): عالمة وكاتبة ومذيعة بريطانية وعضو مجلس اللوردات، وُلدت في لندن عام 1950 وهي تعمل وتعيش في أكسفورد، تخرجت في قسم علم النفس عام 1973، وحصلت على درجة الماجستير عام 1974 في الآداب من جامعة أكسفورد، ثم درجة الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1977.
كما حصلت على 23 درجة شرفية والعديد من الزمالات البحثية من الجامعات البريطانية والدولية المختلفة، تعمل حاليًّا زميلًا بحثيًّا أول في كلية لينكولن بجامعة أكسفورد، وترأس فريقًا متعدد التخصصات لدراسة آليات الدماغ المتعلقة ببعض الأمراض مثل داء الزهايمر وداء باركنسون.
لها العديد من الكتب والمؤلفات منها: “الحياة الخاصة للدماغ”، و”العقل البشري”، و”يوم في حياة الدماغ”.