أرباب دائمة الخذلان
أرباب دائمة الخذلان
من المشكلات الخطيرة التي يقع فيها المثقف أو المفكر وتقضي على مصداقيته هي الإيمان أو التقديس المطلق لشخص أو كيان أو حركة ما واعتبارها ربًّا أو إلهًا لا يخطئ، أي أن أفكاره أو مبادئه التي يؤمن بها تجسدت في منظمة ما، وسيقضي باقي عمره في تسويغ أفعالها والدفاع عنها والهجوم على أعدائها بدلًا من البحث والتساؤل عن الحقيقة، وتبقى الإشكالية هي مدى أو حدود إيمان المثقف المتجسد.
يولد الالتزام بمذهب معين من الأفكار والمبادئ عقيدة الجمود والتعصب وتسهيل خداعه وتسطيح رؤيته، لا يلبث المثقف حتى ينخرط في صراع محموم بلا نهاية مع جميع الأطراف، وقد ينتقل في يوم من الأيام بفعل صدمة خذلان قوية من منظمته المقدسة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويدافع أو ينتقد بالقوة نفسها ولكن بالاتجاه المعاكس، فاعتناقه للتطرف الفكري يسهل عليه قفزاته ويبرر له التغيرات الكبيرة المفاجئة التي تصيبه.
تحول الغرب اليوم بالنسبة للعديد من المثقفين على اختلاف جنسياتهم إلى الرب المقدس الجديد ومصدر النعم، فكل أفعاله مبررة ولها دواع لا تحصى، وتتمتع شرائعه وثقافته بالمركزية العالمية الجديدة، وتفصل المفاهيم على مقاسه، فالعدو هو من يشير إليه بأنه عدو مصالحه وطموحاته الإمبريالية، ليضع العالم بين طرفين موهمًا إياه أنه لا ثالث لهما، طرف ينزع عليه كل الصفات الشيطانية بواسطة أجهزة إعلامه، والطرف الآخر متمثل فيه مصورًا بهيئة المخلص أو المنقذ أو شرطي العالم.
يكمن جوهر إشكالية تصوير العالم على هيئة طرفين فقط في إجبار المثقف على اختيار جانب ما، في حين أنه من المفترض أن يرفض كلا الجانبين لسوئهما، محافظًا على مساحة من الشك والريبة في عقله تسمح له بالتنقل الحر بين المواقف دون جمود أو تعصب لتحميه من الوقوع في خذلان رب اتخذه لنفسه.
الفكرة من كتاب المثقف والسلطة
لمتابعيها مادة علمية رصينة ممتعة تحت اسم “محاضرات ريث”، وتعرض لهجوم ومعارضة كبيرين لموقفه الناقد لسياسات الولايات المتحدة ودفاعه عن القضية الفلسطينية.
فمن هو المثقف أو المفكر إذًا؟ وما رسالته ومسؤوليته التي ينبغي له تأديتها؟ ما التحديات والقيود التي تقف أمامه لأداء رسالته؟ وكيف تطور صراعه مع السلطة وتنوعت أشكاله؟
هذه الأسئلة الكبرى التي حاول إدوارد سعيد تقديم الإجابة عنها عبر استعراض تحليلات لعدد من المثقفين أو المفكرين ثم الإدلاء بدلوه في كل قضية منها.
مؤلف كتاب المثقف والسلطة
إدوارد سعيد، مفكر وباحث فلسطيني حامل للجنسية الأمريكية، ولد لأسرة مسيحية بالقدس في نوفمبر عام 1935م، تخصص في دراسة الأدب الإنجليزي وحصل على شهادة الدكتوراه فيه بجامعة هارفارد عام 1964م، وعمل أستاذًا بجامعة كولومبيا لمدة 40 عامًا.
ظل نشاطه كبيرًا متمثلًا في تجوله بين عدد من الجامعات الكبيرة وتقديمه عددًا كبيرًا من المحاضرات في مجالي السياسة والفكر، حتى توفي عام 2003م بعد صراع دام لعشرة أعوام مع اللوكيميا.
من أهم أعماله وأكثرها تأثيرًا كتاب الاستشراق، الذي انتقد فيه الصور النمطية التي قدمها الاستشراق الغربي عن الدول العربية والإسلامية، وتمييزها المعرفي والعرقي الذي اعتبره تسويغًا للإمبريالية.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمد عناني، أديب وكاتب مسرحي ومترجم، ولد بالبحيرة عام 1939م، حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة القاهرة عام 1959، والماجستير من جامعة لندن عام 1970م، وعلى الدكتوراه من جامعة ريدنغ عام 1975.
له أكثر من 130 كتابًا باللغتين العربية والإنجليزية ولقب بعميد المترجمين.