أدمغتنا وتيك توك

أدمغتنا وتيك توك
بعدما أصبح محتوى تطبيق تيك توك شاملًا، بات الآن ينافس محرك البحث جوجل، وأصبح هو المحرك المفضل عند قطاعات واسعة من الشباب والفتيات، إذ أظهرت الدراسات أن 70% من جيل Z يستخدمون تيك توك للحصول على نصائح بشأن حياتهم المهنية، وذلك لأنه يمكنهم من العثور على إجاباتهم في 15 ثانية، عن طريق الفيديوهات التي في العادة تصل إلى صلب الموضوع بدلًا من التمرير عبر صفحات متعددة على جوجل وقراءة مقالات طويلة، وأمام هذه التوجه الكبير، تُرى ما مدى صحة المعلومات التي لديه؟

مع الأسف أغلب المحتوى مُضلل، ولا يبذل تيك توك أي جهد حقيقي في منع المعلومات المضللة، فمثلًا في المحتوى النفسي الذي تحت عنوان TherapyTok ستجد صناع المحتوى يشجعون المستخدمين على تشخيص حالاتهم النفسية بأنفسهم، وترويج مصطلحات ADHD وTrust Issues وغيرها من المصطلحات بشكل غير منضبط، مما يجعل جمهور تيك توك أكثر حساسية وأقل تحملًا للألم، ولو أخذنا المحتوى الدوائي والصيدلي، فربما تجد من ضمن 20 نتيجةً، واحدةً مفيدة أو اثنتين، وغير ذلك، فإما وصفات غير مفيدة وإما إعلانات، وبذلك أصبح تيك توك أرضًا خصبة للعلم الزائف، ومكانًا يَصعُب التمييز فيه بين الحقيقة والشائعات.
وفوق كثرة المعلومات المغلوطة، فكمية المعلومات ذاتها كبيرة، وقد تشعر أنه لا حد لها، لدرجة تجعل الإنسان في شلل من التفكير والتردد الدائم والقلق إزاء هذه الاختيارات، وهذا يسمى بمتلازمة إغراق المعلومات. وعمومًا رغم هذا الثقل الهائل للمحتوى على تيك توك، فإن المحتوى الترفيهي أكبر بكثير، وأمام كل المخاطر الواردة من تيك توك، فلعلك تتساءل كيف يسرق هذا التطبيق انتباهنا ويؤثر في عقولنا ونفسياتنا سواء كنا مستهلكين أم صانعي محتوى؟ في الواقع إن لديه خوارزميات شديدة التطور صممت على أيدي مبرمجين مخضرمين، تعمل هذه الخوارزميات على وسيلتين، أولاهما التعزيز المتقطع الذي من شأنه تحفيز الشعور بالمتعة فور مشاهدة فيديو يتوافق مع اهتماماتك، والوسيلة الثانية الإشباع الفوري بأن تحصل على مكافأة مادية أو معنوية مقابل فعل ما دون تأجيل، كأن تصل إلى شهرة أو تجني المال، وكل هذا يحفز هرمون الدوبامين الذي يعرض العقل للإدمان، كما أن التصبغ بمحتوى الترفيه فقط يصعِّب تحمل الأمور الجادة مثل المحاضرات وما شابهها.
الفكرة من كتاب متلازمة تيك توك: كيف يغير تطبيق واحد العالم من حولنا؟
تطبيق تيك توك، ليس كباقي التطبيقات على جوالك أو جوالات أصدقائك، فبعض الدول كالهند وباكستان والصومال قد حظرته داخل بلادها، وحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظره في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مخاوف على الأمن القومي، وفي معركة طوفان الأقصى اعترف الاحتلال الإسرائيلي بصعوبة موقفه الدولي خصوصًا على منصة تيك توك!
مهلًا مهلًا، أليس التطبيق عبارة عن بعض الأغاني وبعض الرقص والتكبيس، وبعض المقالب والتحديات، وبعض المحتوى الترفيهي والتعليمي، وهكذا هو الأمر؟ أليس أيضًا أداة للنجاح والشهرة السريعة؟ فما علاقته بالحرب السياسية بين الإدارة الأمريكية ونظيرتها في الصين؟ ولماذا هذا الحظر من دول شرقية وغربية؟ وما آثاره النفسية والاجتماعية؟ وكيف غير تصورات المستخدمين ذهنيًّا ودينيًّا؟ وما مخاطره الحقيقية؟ وكيف له أن ينتشر كل هذا الانتشار ويُغير العالم؟ هذا ما سنعرفه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب متلازمة تيك توك: كيف يغير تطبيق واحد العالم من حولنا؟
إسماعيل عرفة: كاتب وصيدلي مصري، تخرَّج في كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية في عام 2018م، وهو باحث ومترجم مهتم بقضايا الإلحاد الجديدة والشبهات حول الإسلام، له عديد من التقارير والمقالات في عديد من المنصات المهتمة بالقضايا العقدية والفكرية. له مؤلفات عدة، من أشهرها:
رسائل ما قبل الانتحار.
الإباحية الجنسية: حان وقت سداد الفاتورة.
عصر الأنا: كيف تنتشر الفردانية بين الشباب العربي؟
لماذا نحن هنا؟ تساؤلات حول الوجود والشر والعلم والتطور.
الهشاشة النفسية: كيف صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟