أدب الكتب وأدب الصحافة.. كهف اللصوص
أدب الكتب وأدب الصحافة.. كهف اللصوص
وقد عرف الأدب طريقه إلى المازني قبل أن يعرف طريق الصحافة، وكان مُشتغلًا بالتدريس في بداية حياته، فلم يكن له مع دنيا الناس تلك الروابط التي تتصل بحياتهم ومشاغلهم، فكان أدبه موغلًا في القدم، يغلب عليه التنظير، ويتصل بالواقع بقدر ما تتصل به مطالعات المازني، ثم شاء القدر أن يترك المازني التعليم ويمتهن الصحافة، وأكثر ما يخشاه هو أن تؤثر تلك المهنة في أدبه وأسلوبه، وتفرض عليه آلاتها النشيطة وطبعاتها التي لا تتوقف، أن ينحط بأسلوبه وينحدر بلغته إلى قيعان الجمهور، وتتحول كتابته المنمقة الفخمة إلى أخرى مُتعجلة لا ترعى للغة إلًّا ولا للفن ذمة،
لكن بعد نزوله إلى هذا الميدان، فهم المازني أنه يبدو كالغريب المسافر من زمن غابر، وأفاده الانخراط في حياة الناس لين أسلوبه واكتسابه للنبض والحيوية التي كان يفتقدها، ولكن كما تُكسب الصحافة هذه المرونة، فهي قد تُغري الكاتب بانتهاج السهولة والسطحية إرضاءً للقارئ وتسهيلًا عليه، ويُكلفه ذلك فقدان خصائص أسلوبه، وقد تصيبه لوثة الكسل العقلي واعتياد لغة العامة، ولدفع هذا الجانب، على الأديب الصحفي وهو مُتصل بكلام الناس ولغتهم ألا يهجر الموروث القديم، فيكسب قلمه ولا يخسر القراء.
وكان زمن المازني لا يسع الأديب فيه أن يكتفي برزقه من كتبه ومؤلفاته، لكن الشائع أن تكون له وظيفة أخرى يعيش عليها، إذ لم تكن تلك الصناعة قد نُظمت بعد بحيث يضمن كل طرف حقه، فقد كان المألوف أن يعتني الأديب بطباعة كتبه ونشرها لخوفه إهمال حقوقه أو سرقتها، وفي الغالب يفشل في الاعتناء بكل ذلك، لكن فشله أهون من سرقته، وقد اختبر المازني مثل هذا في نشر كتبه أيضًا، فلم ينل من طبع وتوزيع أربعة آلاف نسخة من كتاب سوى الوعود، وكان الأجدر بمسؤولي ذلك الزمن لو اعتنوا بتنظيم هذه الصناعة، وضم جميع حرفها في مؤسسة أو مؤسسات، تضمن للمؤلفين جهودهم، وتعتني بنشر الكتب وتوزيعها بشكل لائق، حتى يستطيع أديبنا المازني أن يفرغ لإنفاق المال بدلًا من متاعب تحصيله.
الفكرة من كتاب العمر الذاهب: رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة
هذه السيرة ليست كما اعتدنا من سير الأعلام والكتاب، فقليل من الأدباء من يمتلك هذه الصراحة التي لم يتحرج المازني من بثها في جميع مقالاته، فنراه كثيرًا ما يتطرق إلى كتابته، فيذكر ندمه على كثير مما كتب وتعجبه من إشادة القراء بما يكتب، ثم هل يجرؤ كاتب في بداية القرن العشرين أن يُصرح بعدم فهمه للفلسفة؟ ومعرفته لفضل أساتذته وأقرانه حتى من باعد الخلاف بينه وبينهم؟ وإنك على مدار الكتب لتجد من هزله ما تحسبه جدًّا، ومن فكاهته ولا مبالاته وسخريته ما يُحيرك، فلا تخلط هذا بذاك، وتوخَّ المعنى البعيد الذي تكشفه طريقته في المبالغة وفهمك لطبيعة شخصيته.
وقد تحرى مُعد هذا الكتاب أن تكون جميع المقالات حول ما اتصل بالقراءة والكتابة وشؤونهما في مؤلفات المازني، فيكون الكتاب أقرب إلى تصنيف الأدب وأشبه بسيرة ذاتية تصف أحوال صاحبها وتعكس روحه وتتتبع آراءه وتجربته.
مؤلف كتاب العمر الذاهب: رحلة المازني المعرفية من القراءة إلى الكتابة
إبراهيم عبد القادر المازني: شاعر وأديب وصحفي، وُلد المازني عام 1889م بمحافظة القاهرة، بعد تخرجه في المدرسة الثانوية رغب المازني في دراسة الطب، لكنه عدل عنه إلى الحقوق ثم انتهى به الأمر في مدرسة المعلمين، اشتغل بالتدريس بعد تخرجه، لكنه ضاق بقيود الوظيفة وآثر الصحافة، عُرف عنه أسلوبه الساخر الرشيق الذي ينتمي إلى السهل الممتنع، كما كان بارعًا في الإنجليزية ونقل عديدًا من أشعارها إلى العربية. من مؤلفاته:
صندوق الدنيا.
حصاد الهشيم.
عود على بدء.
رواية إبراهيم الكاتب، بجزئها الثاني: إبراهيم الثاني.
معلومات عن المُحرر:
عبد الرحمن بن حسن قائد: نال درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية، ثم حصل على الدكتوراه، قرأ على طائفة كبيرة من العلماء في مختلف الفنون ولازم بعضهم وحفظ جملة من المتون العلمية، عمل أستاذًا للحديث وعلومه في المركز العلمي لتعليم القرآن والسنة بجدة (تحت إشراف جامعة أم القرى)، كما شارك في مشروع آثار ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي والمعلمي الذي أشرف عليه الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله، عمل محققًا ومراجعًا ومصححًا من سنة 1423م حتى اليوم.
من تحقيقاته:
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن القيّم.
الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيّم.