أبو الوليد الباجي ووصيته
أبو الوليد الباجي ووصيته
تحدث الكاتب عن سيرة أبي الوليد الباجي، وليس الهدف من تناول سيرته مجرد التعريف به فقط، بل يؤكد الأنصاري أن قيمة الكلمات إنما تُحدد بقيمة قائله، فقبل أن يشرع في تحليل وبيان رسالة الباجي تعرض لسيرته، بما حوَت من حِكَم علمية وأسرار منهجية، والقاعدة المضطردة أن معرفة سير الرجال تختصر على المرء دروسًا شتى ومناهج مختلفة، لا سيما لطالب العلم، وخصوصًا إن كان صاحب السيرة عالمًا بحجم أبي الوليد الباجي، فقد كان منارة في مسار تجديد الدين ونهضة العلم في عصره، وامتد تأثيره من الغرب حيث عاش في الأندلس، إلى المشرق، ونفع الله به خلقًا كثيرًا في شتى بقاع الأرض، في حياته وبعد مماته وإلى الآن!
وأول الدروس التي تعطيها سيرة الباجي الصبرُ على مشاق العلم والتعلم، فقد عانى (رحمه الله) في طريق طلبه للعلم الفقر وشظف العيش، سواء في رحلته إلى المشرق ببغداد، أم بعد عودته إلى موطنه الأصلي بالأندلس، عمل بيده حينًا، وأجيرًا حينًا آخر، بل اضطر إلى التكسب بشعره أحيانًا، إلى أن اكتشف الناس تفوُّقه العلمي ونبوغه الفقهي، فهرع إليه العلماء والأمراء، ثم صار قاضي القضاة وصاحب الوزارتين في دولة الأندلس، وقد ابتُلي وامتُحِن من قبل حُسَّاده، فاتهموه بما ليس فيه وبما قصرت عنه أفهامهم، ولم يُغيِّر هذا شيئًا في صلاحه وورعه، وقد تنوَّعت مؤلفاته وكتبه في شتى الفنون والعلوم، فصنَّف في الفقه والحديث والأصول والجدل والمناظرة، كل هذا يجعل وصيته لأولاده قيمة مستحقة للدراسة والتحليل للانتفاع بها حاليًّا.
قسم الباجي (رحمه الله) وصيته إلى قسمين؛ الأول فيما يلزم من أمر الدين من العمل بأركان الإيمان والتمسُّك بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، والحث على طلب العلم، والقسم الثاني فيما يلزم من أمر الدنيا، من حسن خلق في التعامل بين الناس، والحذر من الوقوع في مساوئ الأخلاق من التحاسد والتنافس والتدابر، والاهتمام بصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران، وحذر الباجي أولاده من الاستكثار من الدنيا وحطامها.
الفكرة من كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
يعد هذا الكتاب دراسة تحليلية في مفهوم العلم وصفة العالمية وظيفةً وبرنامجًا من خلال وصية علمية منهجية تربوية وضعها الإمام أبو الوليد الباجي المالكي المُتوفَّى في القرن الخامس الهجري لأبنائه، ويأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب الأنصاري الدعوية التي حملت عنوان “من القرآن إلى العمران”، ويستهدف من خلال كتابه هذا بيان حقيقة صفة “العالم” بمعناها الشرعي، وقد عمل الأنصاري على دراسة وصية الباجي وشرحها وتوضيحها لبيان ما يلزم الطالب ليكون عالمًا بحق، ووضع برنامج تكويني في مجال العلوم الشرعية.
إن ما دعا الكاتب إلى تأليف هذا الكتاب أربعة أمور؛ أولها أن تجديد الدين يبدأ بتجديد العلم كما جاء في النصوص الشرعية المتواترة، فالعلم هو بدء كل شيء في الدين، وهو أساس كل حركة في الدعوة إليه تربية وتزكية، وثانيها موت عدد كبير من علماء الجيل الذي سبقه في المشرق والمغرب، والثالث انقطاع تدريس العلم الشرعي على وجهه الحقيقي، مما أدَّى إلى انقطاع تخرُّج أجيال بالمفهوم الأصيل للكلمة، فهو ينبِّه في هذه الرسالة إلى ما ينبغي فعله لتحقيق مفهوم “العالمية”، وآخر ما دعاه إلى تأليف تلك الرسالة انقضاض بعض أهل الأهواء والنوازع السياسية على وظيفة العَالِمية والتلبُّس بها بغير وجه حق.
مؤلف كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
فريد الأنصاري: أديب وعالم دين مغربي ولد عام 1969، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة الحسن الثاني، المحمدية (المغرب)، وهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا (نظام تكوين المكونين)، والماجستير في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، وحاصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله، وتُوفِّي في نوفمبر 2009.
من أشهر مؤلَّفاته: “مجالس القرآن”، و”جمالية الدين”، و”أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، و”قناديل الصلاة”، و”بلاغ الرسالة القرآنية”.